عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة وولى عليها سعد بن أبي وقاص

قال ابن جرير : وفي هذه السنة عزل عثمان المغيرة بن شعبة عن الكوفة ، وولى عليها سعد بن أبي وقاص ، فكان أول عامل ولاه ؛ لأن عمر قال : فإن أصابت الإمرة سعدا فذاك ، وإلا فليستعن به أيكم ولي ، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة . فاستعمل سعدا عليها سنة وبعض أخرى .

وقال الواقدي فيما ذكره عن أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبيه أن عمر أوصى أن تقر عماله سنة ، فلما ولي عثمان أقر المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة ، ثم عزله ، واستعمل سعدا ، ثم عزله وولى الوليد بن عقبة بن أبي معيط . قال ابن جرير : فعلى ما ذكره الواقدي تكون ولاية سعد على الكوفة سنة خمس وعشرين .

وسبب ذلك -يعني عزل سعد - أن سعدا اقترض من عبد الله بن مسعود من بيت المال قرضا ، فلما تقاضاه ابن مسعود لم يتيسر له قضاؤه فارتفع بينهما الكلام ، فقال له سعد : ما أراك إلا ستلقى شرا ، هل أنت إلا ابن مسعود عبد من هذيل ؟ فقال : أجل والله إني لابن مسعود وإنك لابن حمينة . وكان هاشم بن عتبة بن أبي وقاص حاضرا فقال : إنكما لصاحبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ينظر إليكما . فرفع سعد يده ليدعو على ابن مسعود ، وكان فيه حدة ، فقال : اللهم رب السماوات والأرض . فقال ابن مسعود : ويلك قل خيرا ولا تلعن . فقال سعد عند ذلك : أما والله لولا اتقاء الله لدعوت عليك دعوة لا تخطئك . فولى عبد الله سريعا حتى خرج ، ثم استعان عبد الله بأناس على استخراج المال ، واستعان سعد بأناس على إنظاره ، فافترقوا وبعضهم يلوم بعضا ، يلوم هؤلاء سعدا وهؤلاء عبد الله ، فكان أول ما نزغ به بين أهل الكوفة ، وأول مصر نزغ الشيطان بين أهله . وبلغ الخبر عثمان فغضب عليهما فعزل سعدا وأقر عبد الله ، واستعمل الوليد بن عقبة بن أبي معيط مكان سعد ، وكان على عرب الجزيرة عاملا لعمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان بعده ، فقدم الكوفة واليا عليها ، ( وأقام عليها خمس سنين ، وهو من أحب الناس إلى أهلها ) . فلما قدم قال له سعد : أكست بعدنا أم حمقنا بعدك ؟ فقال : لا تجزعن يا أبا إسحاق ، كل ذلك لم يكن ، وإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون . فقال سعد : أراكم جعلتموها ملكا ! وقال له ابن مسعود : ما أدري أصلحت بعدنا أم فسد الناس ! غزو الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية

قال ابن جرير : وفي هذه السنة - أعني سنة أربع وعشرين - غزا الوليد بن عقبة أذربيجان وأرمينية حين منع أهلها ما كانوا صالحوا عليه في أيام عمر بن الخطاب ، وهذا في رواية أبي مخنف . وأما في رواية غيره ، فإن ذلك كان في سنة ست وعشرين .

ثم ذكر ابن جرير هاهنا هذه الوقعة ، وملخصها أن الوليد بن عقبة سار بجيش الكوفة نحو أذربيجان وأرمينية حين نقضوا العهد فوطئ بلادهم ، وأغار بأراضي تلك الناحية ، فغنم وسبى ، وأخذ أموالا جزيلة ، فلما أيقنوا بالهلكة صالحه أهلها على ما كانوا صالحوا عليه حذيفة بن اليمان ؛ ثمانمائة ألف درهم في كل سنة ، فقبض منهم جزية سنة ، ثم رجع سالما غانما إلى الكوفة ، فمر بالموصل ، وجاءه كتاب عثمان وهو بها يأمره أن يمد أهل الشام على حرب أهل الروم .

بعث عثمان إلى الشام لمحاربة الروم

قال ابن جرير : وفي هذه السنة جاشت الروم حتى خاف أهل الشام وبعثوا إلى عثمان ، رضي الله عنه ، يستمدونه ، فكتب إلى الوليد بن عقبة ؛ أن إذا جاءك كتابي هذا ، فابعث رجلا أمينا كريما شجاعا قي ثمانية آلاف أو تسعة آلاف أو عشرة آلاف إلى إخوانكم بالشام . فقام الوليد بن عقبة في الناس خطيبا حين وصل إليه كتاب عثمان ، فأخبرهم بما أمره به أمير المؤمنين ، وندب الناس ، وحثهم على الجهاد ومعاونة معاوية وأهل الشام ، وأمر سلمان بن ربيعة على الناس الذين يخرجون إلى الشام ، فانتدب في ثلاثة أيام ثمانية آلاف ، فبعثهم إلى الشام ، وعلى جند المسلمين حبيب بن مسلم الفهري . فلما اجتمع الجيشان شنوا الغارات على بلاد الروم ، فغنموا وسبوا سبيا كثيرا ، وفتحوا حصونا كثيرة . ولله الحمد .

وزعم الواقدي أن الذي أمد أهل الشام بسلمان بن ربيعة إنما هو سعيد بن العاص ؛ عن كتاب عثمان ، رضي الله عنه ، فبعث سعيد بن العاص سلمان بن ربيعة بستة آلاف فارس حتى انتهى إلى حبيب بن مسلمة وقد أقبل إليه الموريان الرومي في ثمانين ألفا من الروم والترك ، وكان حبيب بن مسلمة شجاعا شهما ، فعزم على أن يبيت جيش الروم ، فسمعته امرأته يقول للأمراء ذلك ، فقالت له : فأين موعدي معك . تعني أين أجتمع بك غدا ؟ فقال لها : موعدك سرادق موريان أو الجنة . ثم نهض إليهم في الليل بمن معه من المسلمين ، فقتل من أشرف له ، وسبقته امرأته إلى سرادق موريان ، فكانت أول امرأة من العرب ضرب عليها سرادق ، وقد مات عنها حبيب بن مسلمة بعد ذلك ، فخلف عليها بعده الضحاك بن قيس الفهري ؛ فهي أم ولده .

من حج في هذه السنة

قال ابن جرير : واختلف في من حج بالناس في هذه السنة ؛ فقال الواقدي وأبو معشر : حج بهم عبد الرحمن بن عوف بأمر عثمان . وقال آخرون : حج بالناس عثمان بن عفان ، رضي الله عنه . والأول هو الأشهر ؛ فإن عثمان لم يتمكن من الحج في هذه السنة لأجل رعاف أصابه مع الناس في هذه السنة حتى خشي عليه . وكان يقال لهذه السنة : سنة الرعاف .

فتح أبو موسى الأشعري الري

وفيها افتتح أبو موسى الأشعري الري بعد ما نقضوا العهد الذي كان واثقهم عليه حذيفة بن اليمان ، رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية