ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أسلم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

أسلم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكنى أبا رافع: وكان مملوكا للعباس ، فوهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلام العباس أعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهاجر بعد بدر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشهد أحدا والمشاهد بعدها ، وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمى مولاته .

وتوفي بعد قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه .

حذيفة بن اليمان

حذيفة بن اليمان - واليمان لقب - واسمه حسل - ويقال: حسيل - بن جابر بن ربيعة بن عمرو بن جروة ، ويكنى أبا عبد الله ، ويقال إن جروة هو اليمان: خرج حذيفة هو وأبوه فأخذهما كفار قريش ، وقالوا: إنكما تريدان محمدا ، فقالا: ما نريد إلا المدينة ، فأخذوا منهما عهدا ألا يقاتلا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن ينصرفا إلى المدينة ، فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه وقالا: إن شئت [قاتلنا معك] ، قال: بلى نفي [لهم] ونستعين الله عليهم ، ففاتهما بدر ، وشهد حذيفة أحدا وما بعدها .

وكان حذيفة صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم لقربه منه وثقته به ، وأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين الذين بخسوا بعيره ليلة [العقبة] بتبوك ، وكانوا اثني عشر كلهم من الأنصار ومن حلفائهم ، وكان حذيفة يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وأنا أسأله عن الشر مخافة أن يدركني .

وولاه عمر بن الخطاب المدائن ، فأقام بها إلى حين وفاته .

وعن ابن سيرين ، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا بعث أميرا كتب إليهم: إني قد بعثت إليكم فلانا وأمرته بكذا وكذا ، فاسمعوا له وأطيعوا ، فلما بعث حذيفة كتب إليهم: إني قد بعثت إليكم فلانا فأطيعوه ، فقالوا: هذا رجل له شأن ، فركبوا ليلتقوه ، فلقوه على بغل تحته أكاف وهو معترض عليه رجلاه من جانب واحد ، فلم يعرفوه فأجازوه ، فلقيهم الناس ، فقالوا: أين الأمير؟ قالوا: هو الذي لقيكم . قال: فركضوا في أثره ، فأدركوه وفي يده رغيف وفي الأخرى عرق وهو يأكل ، فسلموا عليه ، فنظر إلى عظيم منهم فناوله العرق والرغيف . قال: فلما غفل ألقاه أو أعطاه لخادمه .

وروى هذا الحديث سلام بن مسكين ، عن ابن سيرين ، فقال فيه: لما قدم حذيفة المدائن استقبله الناس والدهاقين وبيده رغيف وعرق من لحم وهو على حمار على أكاف ، فقرأ عهده عليهم [فقالوا: سلنا ما شئت ، قال: أسألكم طعاما آكله ، وعليقا لحماري هذا ما دمت فيكم] فأقام ما شاء الله ، ثم كتب إليه عمر أن أقدم ، فلما بلغ قدومه عمر كمن له في الطريق في مكان لا يراه ، فلما رآه عمر على الحال التي خرج من عنده عليها ، أتاه فالتزمه وقال: أنت أخي وأنا أخوك .

وعن الأعمش ، قال: بكى حذيفة في صلاته ، فلما فرغ التفت فإذا رجل خلفه ، فقال: لا تعلمن هذا أحدا .

وعن زياد مولى ابن عباس ، قال: حدثني من دخل على حذيفة في مرضه الذي مات فيه ، فقال: لولا أني أرى هذا اليوم آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة لم أتكلم به ، اللهم إنك تعلم أني كنت أحب الفقر على الغنى ، وأحب الذلة على العز ، وأحب الموت على الحياة ، حبيب جاء على فاقة ، لا أفلح من ندم ، ثم مات رحمه الله .

وعن خالد بن ربيع العبسي ، قال: سمعنا بوجع حذيفة فركب إليه أبو مسعود الأنصاري في نفر أنا فيهم إلى المدائن ، فأتيناه في بعض الليل ، فقال: هل جئتم بأكفاني؟ قلنا: نعم ، قال: فلا تغالوا بكفني ، أفإن يكن لصاحبكم عند الله خير يبدل خيرا من كسوتكم وإلا يسلب سلبا سريعا ، ثم ذكر عثمان ، فقال: اللهم لم أشهد ، ولم أقتل ، ولم أرض .

وعن بلال بن يحيى ، قال: عاش حذيفة بعد قتل عثمان أربعين ليلة .

قال محمد بن سعد : مات حذيفة سنة ست وثلاثين . اجتمع على ذلك الواقدي ، والهيثم بن عدي . الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي

الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وأمه صفية بنت عبد المطلب ، ويكنى أبا عبد الله:

أسلم بعد أبي بكر ، وكان رابعا أو خامسا ، وهو يومئذ ابن ست عشرة سنة ، وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعا ، ولم يتخلف عن غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رجلا ليس بالطويل ولا بالقصير ، إلى الخفة ما هو في اللحم ، خفيف اللحية ، أسمر اللون أشعر ، وله من الولد أحد عشر ذكرا ، وتسع نسوة: عبد الله ، ومصعب ، وعروة ، والمنذر ، وعاصم ، والمهاجر ، وخديجة الكبرى ، وأم الحسن ، وعائشة ، وأمهم أسماء بنت أبي بكر . وخالد ، وعمرو ، وحبيبة ، وسودة ، وهند ، وأمهم أم خالد ، وهي بنت خالد بن سعيد بن العاص . ومصعب ، وحمزة ورملة وأمهم أم الرباب بنت أنيف . وعبيدة ، وجعفر ، وأمهما زينب بنت مرثد . وزينب ، وأمها أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط .

وخديجة الصغرى ، وأمها الحلال بنت قيس .

عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال: كانت على الزبير ريطة صفراء معتجرا بها يوم بدر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة نزلت من السماء على سيماء الزبير " .

[وعن جابر] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يأتيني بخبر القوم"؟ [يوم الأحزاب] فقال الزبير: أنا ، قال: "من يأتيني بخبر القوم؟ " قال الزبير: أنا ، قال: "من يأتيني بخبر القوم؟ " قال الزبير: أنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لكل نبي حواريا ، وإن حواري الزبير " . وعن عبد الله بن الزبير قال: قلت لأبي يوم الأحزاب: قد رأيتك يا أبه تحمل على فرس لك أشقر ، قال: قد رأيتني أي بني؟ قلت: نعم ، قال: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع لي أبويه يقول: "فداك أبي وأمي" .

وعن عبد الله بن الزبير ، قال:

لما وقف الزبير يوم الجمل دعاني فقمت إلى جنبه ، فقال: يا بني إنه لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم ، وإني لا أراني إلا سأقتل اليوم مظلوما ، وإن من أكبر همي لديني ، أفترى ديننا يبقي من مالنا شيئا؟ ثم قال: يا بني بع واقض ديني وأوص بالثلث ، فإن فضل من مالنا من بعد قضاء الدين شيء فثلثه لولدك . وله يومئذ تسع بنات ، قال: فجعل يوصيني بدينه ويقول: يا بني إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي . قال: فو الله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبه ، من مولاك؟ قال: الله ، فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه ، فيقضيه .

قال: وقتل الزبير ولم يدع دينارا ولا درهما إلا أرضين فيهما الغابة ، وإحدى عشرة دارا بالمدينة ، ودارين بالبصرة ، ودارا بالكوفة ، ودارا بمصر . قال: وإنما كان دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال فيستودعه إياه ، فيقول الزبير: لا ، ولكن هو سلف ، إني أخشى عليه الضيعة ، وما ولي إمارة قط ولا جباية ولا خراجا ولا شيئا إلا أن يكون في غزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم .

قال عبد الله بن الزبير: فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومائتي ألف ، فلقي حكيم بن حزام عبد الله بن الزبير ، فقال: يا ابن أخي كم على أخي من الدين؟

قال: فكتمته وقلت مائة ألف ، فقال حكيم: والله ما أرى أموالكم تتسع لهذه ، فقال عبد الله : أفرأيتك إن كانت ألفي ألف ومائتي ألف؟ قال: ما أراكم تطيقون هذا ، فإن عجزتم عن شيء منه فاستعينوا بي ، وكان الزبير اشترى الغابة بسبعين ومائة ألف ، فباعها عبد الله بن الزبير بألف ألف وستمائة ألف ، ثم قام فقال: من كان له على الزبير شيء فليوافنا بالغابة ، فأتاه عبد الله بن جعفر - وكان له على الزبير أربعمائة ألف – فقال لعبد الله بن الزبير: إن شئتم تركتها لكم وإن شئتم فأخروها فيما تؤخرون ، إن أخرتم شيئا ، فقال عبد الله بن الزبير: لا ، قال: فاقطعوا لي قطعة ، فقال له عبد الله : لك من هاهنا إلى ها هنا ، قال: فباعه منها بقضاء دينه ، فأوفاه وبقي منها أربعة أسهم ونصف .

قال: فقدم على معاوية وعنده عمرو بن عثمان والمنذر بن الزبير وابن زمعة ، قال: فقال له معاوية: كم قومت الغابة؟ قال: كل سهم مائة ألف ، قال: كم بقي؟ قال: أربعة أسهم ونصف ، قال: فقال المنذر بن الزبير: قد أخذت سهما بمائة ألف ، وقال عمرو بن عثمان: قد أخذت سهما بمائة ألف ، وقال ابن زمعة: قد أخذت سهما بمائة ألف ، فقال معاوية: فكم بقي؟ قال: سهم ونصف ، قال: أخذته بخمسين ومائة ألف .

قال: وباع عبد الله بن جعفر نصيبه من معاوية بستمائة ألف ، فلما فرغ ابن الزبير من قضاء دينه ، قال بنو الزبير: اقسم بيننا ميراثنا ، قال: لا والله لا أقسم بينكم ميراثكم حتى أنادي في الموسم أربع سنين: ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه . قال: فجعل كل سنة ينادي بالموسم ، فلما مضت أربع سنين قسم بينهم . قال: وكان للزبير أربع نسوة ، قال: وربع الثمن فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائة ألف . قال: فجميع ماله خمسون ألف ألف ومائتا ألف .

قال علماء السير: حضر الزبير يوم الجمل ، ثم بدا له أن لا يقاتل فركب فرسه وانطلق يريد المدينة فلحقه قوم فقاتلوه ، وحمل عليه عمرو بن جرموز فطعنه فأثبته فوقع فاعتوروه وأخذوا سيفه ، وأخذ ابن جرموز رأسه فحمله إلى علي وأتى بسيفه فأخذه علي رضي الله عنه ، وقال: سيف والله طال ما جلا به عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرب . وقال: بشر قاتل ابن صفية بالنار ، وجلس يبكي عليه هو وأصحابه ، وقال: إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله: ونزعنا ما في صدورهم من غل .

ودفن الزبير بوادي السباع ، وكانت عنده عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، وكان أهل المدينة يقولون: من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة ، لأنها كانت عند عبد الله بن أبي بكر ، فقتل عنها ، ثم كانت عند عمر بن الخطاب فقتل عنها ، ثم عند الزبير فقتل عنها وهو ابن أربع وستين سنة . زيد بن صوحان بن حجر بن الهجرس

زيد بن صوحان بن حجر بن الهجرس ، يكنى أبا عائشة ، [وأبا عبد الله]:

سمع عمر وعليا رضي الله عنهما . وكان يصوم بالنهار ويقوم الليل .

عن حميد بن هلال ، قال: كان زيد بن صوحان يقوم الليل ويصوم النهار ، فإذا كانت ليلة الجمعة أحياها ، فإن كان ليكرهها [إذا جاءت] مما كان يلقى فيها ، فبلغ سلمان ما كان يصنع ، فأتاه فقال: أين زيد ؟ قالت امرأته: ليس ها هنا ، قال: فإني أقسم عليك لما صنعت طعاما ولبست محاسن ثيابك ، ثم بعثت إلى زيد ، فجاء زيد وقرب الطعام ، فقال سلمان: كل يا زيد ، فقال: إني صائم ، قال: كل يا زيد لا تنقص دينك ، إن شر السير الحقحقة ، إن لعينك عليك حقا ، وإن لبدنك عليك حقا ، وإن لزوجك عليك حقا ، كل يا زيد ، فأكل ، وترك ما يصنع .

قتل زيد يوم الجمل ، فقال: ادفنوني في ثيابي ، فإني مخاصم ، ولا تغسلوا عني دما ، ولا تنزعوا عني ثوبا . طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة

طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن تيم بن مرة ، يكنى أبا محمد :

وأمه الصعبة بنت عمار الحضرمي ، وأمها عاتكة بنت وهب بن قصي بن كلاب . وكان وهب صاحب الرفادة دون قريش كلها .

وكان لطلحة من الولد محمد ، وهو السجاد ، وبه كان يكنى ، قتل معه يوم الجمل ، وعمران ، وأمهما حمنة بنت جحش . وموسى ، وأمه خولة بنت القعقاع بن معبد ، وكان يقال للقعقاع تيار الفرات من سخائه . ويعقوب وكان جوادا قتل يوم الحرة ، وإسماعيل ، وإسحاق ، وأمهم أم أبان بنت عقبة بن ربيعة . وزكريا ، ويوسف ، وعائشة ، أمهم أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق . وعيسى ويحيى ، وأمهما سعدى بنت عوف . وأم إسحاق تزوجها الحسن بن علي ، فولدت له طلحة ثم توفي عنها ، فخلف عليها الحسين بن علي فولدت له فاطمة ، والصعبة ، ومريم ، وصالح الأمهات .

وكان طلحة آدم كثير الشعر ليس بالجعد القطط ، ولا بالسبط ، حسن الوجه ، دقيق القرنين لا يغير شعره .

وعن إبراهيم بن محمد بن طلحة ، قال: قال طلحة بن عبيد الله:

حضرت سوق بصرى فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحد من أهل الحرم ؟ قال طلحة: فقلت: نعم أنا ، فقال: هل ظهر أحمد بعد؟ قال: قلت: ومن أحمد ؟ قال: ابن عبد الله بن عبد المطلب ، [هذا شهره الذي يخرج فيه ، وهو آخر الأنبياء ، ومخرجه من الحرم ، ومهاجره إلى نخل وحرة وسباخ ، فإياك أن تسبق إليه] ،

قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال ، فخرجت سريعا حتى قدمت مكة ، فقلت: هل كان من حدث؟ قالوا: نعم ، محمد بن عبد الله الأمين تنبأ وقد تبعه ابن أبي قحافة . قال: فخرجت حتى دخلت على أبي بكر ، فقلت: اتبعت هذا الرجل؟ قال: نعم ، فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه فإنه يدعو إلى الحق ، فأخبره طلحة بما قال الراهب ، فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم طلحة ، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال الراهب ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك .

فلما أسلم أبو بكر وطلحة بن عبيد الله أخذهما نوفل بن خويلد بن العدوية فشدهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تيم ، وكان نوفل بن خويلد يدعى أسد قريش ، فلذلك سمي أبو بكر وطلحة القرينين
.

قال علماء السير: آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين طلحة وسعيد بن زيد ، وبعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحسسان خبر العير ، فخرجا ففاتتهما بدر ، فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهامهما وأجورهما ، فكانا كمن شهدها .

وشهد طلحة أحدا ، وثبت يومئذ حين ولي الناس ، ورمى مالك بن زهير يوم أحد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتقى طلحة بيده عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصابت خنصره فشلت أصبعاه ، وجرح يومئذ أربعا وعشرين جراحة ، وقع منها في رأسه شجة ، فلما كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم وشج في وجهه احتمله طلحة ورجع به القهقرى ، كلما أدركه أحد من المشركين قاتل دونه حتى أسنده إلى الشعب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوجب طلحة " .

وعن طلحة بن يحيى ، قال: حدثتني جدتي سعدى ابنة عوف المرية ، قالت: دخلت على طلحة ذات يوم ، فقلت: ما لي أراك مهموما؟ قال: عندي مال قد أهمني ، فقسمته . فسألتها: كم كان المال؟ قالت: أربعمائة ألف .

وعن الحسن ، أن طلحة باع أرضا له من عثمان بن عفان بسبعمائة ألف ، فحملها إليه ، فلما جاء بها ، قال: إن رجلا يبيت هذه عنده في بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله لغرير بالله ، فبات ورسله تختلف بها في سكك المدينة حتى أسحر وما عنده منها درهم .

حضر طلحة يوم الجمل ، فرماه مروان بن الحكم فأصاب ساقه ، فلم يزل ينزف الدم ، فقال: اللهم خذ لعثمان مني حتى يرضى ، فمات وهو ابن أربع وستين سنة . وقيل: اثنتين وستين .

وترك طلحة من العين ألفي ألف درهم ومائتي ألف دينار ، وترك عروضا كثيرة ، وقومت أصوله وعقاره ثمانين ألف ألف درهم .

وقال عمرو بن العاص: حدثت أن طلحة ترك مائة بهار في كل بهار ثلاثة قناطير ذهب . وسمعت أن البهار جلد ثور .

توفي يوم الجمل على ما سبق شرحه . عبد الله بن بديل بن ورقاء

عبد الله بن بديل بن ورقاء :

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى أهل اليمن ، وشهد مع علي رضي الله عنه صفين ، وقتل هناك .

عبد الرحمن بن عديس البلوي

عبد الرحمن بن عديس البلوي :

بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة . وروى عنه عليه السلام .

وشهد فتح مصر ، واختط بها ، وكان رئيس الخيل التي سارت من مصر إلى عثمان ، وقتل بفلسطين في هذه السنة ، كان قد سجن فهرب فأدركه فارس ، فقال له: اتق الله في دمي فإني من أصحاب الشجرة ، فقال: الشجر في الجبل كثير ، [فقتله] .

عمرو بن أبي عمرو بن ضبة أبو شداد

عمرو بن أبي عمرو بن ضبة ، أبو شداد :

شهد بدرا وتوفي في هذه السنة .

قدامة بن مظعون بن حبيب أبو عمر

قدامة بن مظعون بن حبيب ، أبو عمر :

هاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية ، وشهد أحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وتوفي في هذه السنة وهو ابن ثمان وستين سنة .

كعب بن سور بن بكر بن عبد الله بن ثعلبة الأزدي

كعب بن سور بن بكر بن عبد الله بن ثعلبة الأزدي :

ولاه عمر قضاء البصرة ، وكان سبب توليته إياه ، عن محمد بن معن الغفاري ، قال: أتت امرأة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقالت: يا أمير المؤمنين ، إن زوجي يصوم النهار ويقوم الليل ، وأنا أكره أن أشكوه وهو يعمل بطاعة الله تعالى ، فقال لها: نعم الزوج زوجك ، فجعلت تكرر عليه القول وهو يكرر عليها الجواب ، فقال له كعب الأزدي: يا أمير المؤمنين ، هذه المرأة تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه ، قال له عمر: كما فهمت كلامها فاقض بينهما ، فقال كعب: علي بزوجها ، فأتي به ، فقال له: امرأتك هذه تشكوك ، قال: أفي طعام أو شراب ، قالت المرأة ترتجز:


يا أيها القاضي الحكيم رشده ألهى خليلي عن فراشي مسجده     زهده في مضجعي تعبده
نهاره وليله ما يرقده     فلست في أمر النساء أحمده
فاقض القضاء يا كعب لا تردده

فقال زوجها:


أزهدني في فرشها وفي الحجل     أني امرؤ أذهلني ما قد نزل
في سورة النحل وفي السبع الطول     وفي كتاب الله تخويف جلل

فقال كعب:


إن لها عليك حقا يا رجل     تصيبها في أربع لمن عقل

فاعطها ذاك ودع عنك العلل

ثم قال: إن الله قد أحل لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فلك ثلاثة أيام ولياليهن تعبد فيهن ربك ، ولها يوم وليلة ، فقال عمر: والله ما أدري من أي أمر بك أعجب ، أمن فهمك أمرهما أم من حكمك؟ اذهب فقد وليتك قضاء البصرة .

قال علماء السير: فلما قدم طلحة والزبير وعائشة يرجي الله عنهم البصرة دخل كعب إلى بيت وطين عليه ، وجعل فيه كوة يتناول منها طعامه وشرابه اعتزالا للفتنة ، فقيل لعائشة: إن كعب بن سور إن خرج معك لم يتخلف من الأزد أحد ، فركبت إليه فنادته فلم يجبها ، فقالت: يا كعب ألست أمك ولي عليك حق ، فكلمها ، فقالت: إنما أريد أن أصلح بين الناس ، فخرج فأخذ المصحف فنشره ومشى بين الصفين يدعوهم إلى ما فيه ، فجاءه سهم غرب فقتله . وكان خيرا صالحا وليس له حديث .

هاشم بن عتبة بن أبي وقاص

هاشم بن عتبة بن أبي وقاص ، وهو المعروف بالمر :

قال: وهو أخو نافع بن عتبة ، وابن أخي سعد بن أبي وقاص . أسلم يوم فتح مكة ، وحضر مع عمه سعد حرب الفرس بالقادسية ، فلما هزم الله العدو ، ورجعوا إلى المدائن اتبعهم سعد والمسلمون ، فدل علج من أهل المدائن سعدا على مخاضة ، فخاضوا وأتوا المدائن فحاصروها وهاشم فيهم .

وقتل بصفين مع علي رضي الله عنه . ذكر قتل محمد بن أبي حذيفة

في هذه السنة قتل محمد بن أبي حذيفة ، وكان أبوه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس قد قتل يوم اليمامة ، وترك ابنه محمدا هذا ، فكفله عثمان بن عفان وأحسن تربيته ، وكان فيما قيل : أصاب شرابا فحده عثمان ، ثم تنسك محمد وأقبل على العبادة ، وطلب من عثمان أن يوليه عملا ، فقال : لو كنت أهلا لذلك لوليتك . فقال له : إني قد رغبت في غزو البحر فأذن [ لي ] في إتيان مصر ، فأذن له وجهزه ، فلما قدمها رأى الناس عبادته فلزموه وعظموه ، وغزا مع عبد الله بن سعد غزوة الصواري .

وكان محمد يعيبه ويعيب عثمان بتوليته ويقول : استعمل رجلا أباح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمه . فكتب عبد الله إلى عثمان : إن محمدا قد أفسد علي البلاد هو ومحمد بن أبي بكر . فكتب إليه : أما ابن أبي بكر فإنه يوهب لأبيه ولعائشة ، وأما ابن أبي حذيفة فإنه ابني وابن أخي وتربيتي وهو فرخ قريش . فكتب إليه : إن هذا الفرخ قد استوى ريشه ولم يبق إلا أن يطير . فبعث عثمان إلى ابن أبي حذيفة بثلاثين ألف درهم وبجمل عليه كسوة ، فوضعها محمد في المسجد ثم قال : يا معشر المسلمين ألا ترون إلى عثمان يخادعني عن ديني ويرشوني عليه ! فازداد أهل مصر تعظيما له وطعنا على عثمان ، ( وبايعوه على رياستهم ) ، فكتب إليه عثمان يذكره بره به وتربيته إياه وقيامه بشأنه ، ويقول : إنك كفرت إحساني أحوج ما كنت إلى شكرك . فلم يرده ذلك عن ذمه وتأليب الناس عليه ، وحثهم على المسير إلى حصره ، ومساعدة من يريد ذلك .

فلما سار المصريون إلى عثمان ، أقام هو بمصر ، وخرج عنها عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، ( فاستولى عليها ) وضبطها ، فلم يزل بها مقيما حتى قتل عثمان وبويع علي ، واتفق معاوية وعمرو بن العاص على خلاف علي ، فسار إلى مصر قبل قدوم قيس بن سعد إليها أميرا ، فأراد دخولها فلم يقدر على ذلك ، فخدع محمدا حتى خرج منها إلى العريش في ألف رجل ، فتحصن بها ، فنصب عليه المنجنيق حتى نزل في ثلاثين من أصحابه فقتل .

وهذا القول ليس بشيء ، لأن عليا استعمل قيسا على مصر أول ما بويع له ، ولو أن ابن أبي حذيفة قتله معاوية وعمرو قبل وصول قيس إلى مصر لاستوليا عليها ; لأنه لم يكن بها أمير يمنعهما عنها ، ولا خلاف أن استيلاء معاوية وعمرو عليها كان بعد صفين ، والله أعلم .

وقيل غير ذلك ، وهو أن محمد بن أبي حذيفة سير المصريين إلى عثمان ، فلما حصروه أخرج محمد عبد الله بن سعد عن مصر ، وهو عامل عثمان ، واستولى عليها ، فنزل عبد الله على تخوم مصر ، وانتظر أمر عثمان ، فطلع عليه راكب فسأله ، فأخبره بقتل عثمان ، فاسترجع ، وسأله عما صنع الناس بعده ، فأخبره ببيعة علي ، فاسترجع ، فقال له : كأن إمرة علي تعدل عندك قتل عثمان ! قال : نعم . قال : أظنك عبد الله بن سعد . فقال : نعم . فقال له : إن كانت لك في نفسك حاجة فالنجاء النجاء ، فإن رأي أمير المؤمنين علي فيك وفي أصحابك إن ظفر بكم أن يقتلكم أو ينفيكم ، وهذا بعدي أمير يقدم عليك . فقال : من هو ؟ قال قيس بن سعد بن عبادة . قال عبد الله بن سعد : أبعد الله محمد بن أبي حذيفة ، فإنه بغى على ابن عمه وسعى عليه ، وقد كفله ورباه وأحسن إليه ، فأساء جواره وجهز إليه الرجال حتى قتل ، ثم ولى عليه من هو أبعد منه ومن عثمان ، ولم يمتعه بسلطان بلاده شهرا ، ولم يره لذلك أهلا . وخرج عبد الله هاربا حتى قدم على معاوية .

وهذا القول يدل على أن قيسا ولي مصر ومحمد بن أبي حذيفة حي ، وهو الصحيح .

وقيل : إن عمرا سار إلى مصر بعد صفين ، فلقيه محمد بن أبي حذيفة في جيش ، فلما رأى عمرو كثرة من معه أرسل إليه ، فالتقيا واجتمعا ، فقال له عمرو : إنه قد كان ما ترى وقد بايعت هذا الرجل ، يعني معاوية ، وما أنا براض بكثير من أمره ، وإني لأعلم أن صاحبك عليا أفضل من معاوية نفسا وقديما وأولى بهذا الأمر ، فواعدني موعدا ألتقي معك فيه في غير جيش ، تأتي في مائة وآتي في مثلها ، وليس معنا إلا السيوف في القرب . فتعاهدا وتعاقدا على ذلك واتعدا العريش ، ورجع عمرو إلى معاوية ، فأخبره الخبر ، فلما جاء الأجل سار كل واحد منهما إلى صاحبه في مائة ، وجعل عمرو له جيشا خلفه لينطوي خبره ، فلما التقيا بالعريش قدم جيش عمرو على أثره ، فعلم محمد أنه قد غدر به ، فدخل قصرا بالعريش فتحصن به ، فحصره عمرو ورماه بالمنجنيق حتى أخذ أسيرا ، وبعث به عمرو إلى معاوية فسجنه ، وكانت ابنة قرظة امرأة معاوية ابنة عمة محمد بن أبي حذيفة أمها فاطمة بنت عتبة ، فكانت تصنع له طعاما ترسله إليه ، فأرسلت إليه يوما في الطعام مبارد ، فبرد بها قيوده وهرب فاختفى في غار فأخذ وقتل ، والله أعلم .

وقيل : إنه بقي محبوسا إلى أن قتل حجر بن عدي ، ثم إنه هرب ، فطلبه مالك بن هبيرة السكوني ، فظفر به فقتله غضبا لحجر ، وكان مالك قد شفع إلى معاوية في حجر فلم يشفعه . وقيل : إن محمد بن أبي حذيفة لما قتل محمد بن أبي بكر خرج في جمع كثير إلى عمرو ( فآمنه عمرو ) ، ثم غدر به وحمله إلى معاوية بفلسطين فحبسه ، ثم إنه هرب ، فأظهر معاوية للناس أنه كره هربه وأمر بطلبه ، فسار في أثره عبيد الله بن عمرو بن ظلام الخثعمي ، فأدركه بحوران في غار ، وجاءت حمر تدخل الغار ، فلما رأت محمدا نفرت منه ، وكان هناك ناس يحصدون ، فقالوا : والله إن لنفرة هذه الحمر لشأنا . فذهبوا إلى الغار فرأوه ، فخرجوا من عنده ، فوافقهم عبيد الله فسألهم عنه ووصفه لهم ، فقالوا : هو في الغار ، فأخرجه وكره أن يأتي به معاوية فيخلي سبيله ، فضرب عنقه ، وكان ابن خال معاوية . وممن قتل يوم الجمل

عبد الرحمن بن عبيد الله أخو طلحة ، له صحبة . وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس بن عامر بن لؤي ، له صحبة . وفيها قتل المحرز بن حارثة بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس ، له صحبة ، واستعمله عمر على مكة ثم عزله . وفيها قتل معرض بن علاط السلمي أخو الحجاج بن علاط ، قتل مع علي ، وفيها قتل مجاشع ومجالد ابنا مسعود السلميان مع عائشة ، لهما صحبة ، فأما مجاشع فلا شك أنه قتل في الجمل . وقتل عبد الله بن حكيم بن حزام الأسدي القرشي مع عائشة ، وكان إسلامه يوم الفتح ، وفيها قتل هند بن أبي هالة الأسيدي ، أمه خديجة بنت خويلد زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - مع علي ، وقيل مات بالبصرة ، والأول أصح .

( الأسيدي بضم الهمزة ، منسوب إلى أسيد بتشديد الياء ، وهم بطن من تميم .

وقتل هلال بن وكيع بن بشر التميمي مع عائشة ، له صحبة ، وفيها قتل معاذ بن عفراء أخو معوذ ، وهما ابنا الحرث بن رفاعة الأنصاريان ، وشهدا بدرا ، وقتل مع علي ، وقيل : عاش وقتل في وقعة الحرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية