تغسيل ودفن علي رضي الله عنه والصلاة عليه

ولما مات علي ولي غسله ودفنه أهله ، وصلى عليه ابنه الحسن فكبر أربعا وقيل : أكثر من ذلك .

ودفن علي بدار الخلافة بالكوفة . وقيل : تجاه الجامع من القبلة ، في حجرة من دور آل جعدة بن هبيرة بحذاء باب الوراقين . وقيل : بظاهر الكوفة . وقيل : بالكناسة . وقيل : دفن بالثوية . وقال شريك القاضي وأبو نعيم الفضل بن دكين : نقله الحسن بن علي بعد صلحه مع معاوية إلى المدينة فدفنه بالبقيع إلى جانب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال عيسى بن دأب : بل لما أرادوا أن يحملوه إلى المدينة ليدفنوه بها جعلوه في صندوق على بعير ، فلما مروا به ببلاد طيئ أضلوا البعير ، فأخذت طيئ ذلك البعير بما عليه يحسبونه مالا ، فلما وجدوا بالصندوق ميتا دفنوه بالصندوق في بلادهم ، فلا يعرف قبره إلى الآن .

والمشهور أن قبره إلى الآن بالكوفة كما ذكر عبد الملك بن عمير أن خالد بن عبد الله القسري نائب بني أمية في زمان هشام بن عبد الملك ، لما كان أميرا على العراق هدم دورا ليبنيها دارا وجد قبرا فيه شيخ أبيض الرأس واللحية ، فإذا هو علي بن أبي طالب ، فأراد أن يحرقه بالنار ، فقيل له : أيها الأمير ، إن بنى أمية لا يريدون منك هذا كله . فلفه في قباطي ودفنه هناك . قالوا : فلا يقدر أحد أن يسكن تلك الدار التي هو فيها إلا ارتحل منها . كذا ذكره ابن عساكر .

ما فعل بابن ملجم بعد مقتل علي رضي الله عنه

ثم إن الحسن بن علي استحضر عبد الرحمن بن ملجم من السجن فأحضر الناس النفط والبواري ليحرقوه ، فقال لهم أولاد علي : دعونا نشتفي منه . فقطعت يداه ورجلاه ، فلم يجزع ولا فتر عن الذكر ، ثم كحلت عيناه ، وهو في ذلك يذكر الله وقرأ سورة : اقرأ باسم ربك إلى آخرها ، وإن عينيه لتسيلان على خديه ، ثم حاولوا لسانه ليقطعوه ، فجزع عند ذلك جزعا شديدا ، فقيل له في ذلك ، فقال : إني أخاف أن أمكث في الدنيا فواقا لا أذكر الله فيه . فقتل عند ذلك وحرق بالنار ، قبحه الله .

قال محمد بن سعد : كان ابن ملجم رجلا أسمر ، حسن الوجه ، أبلج ، شعره مع شحمة أذنه ، في جبهته أثر السجود . قال العلماء : ولم ينتظر بقتله بلوغ العباس بن علي ; فإنه كان صغيرا يوم قتل أبوه . قالوا : لأنه كان قتل محاربة لا قصاصا . والله أعلم .

متى طعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه

وكان طعن علي ، رضي الله عنه ، يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين ، بلا خلاف . فقيل : مات من يومه ، وقيل : يوم الأحد التاسع عشر منه . قال الفلاس : وقيل : ضرب ليلة إحدى وعشرين ، ومات ليلة أربع وعشرين عن تسع أو سبع أو ثمان وخمسين سنة . وقيل : عن ثلاث وستين سنة . وهو المشهور . قاله محمد ابن الحنفية ، وأبو جعفر الباقر ، وأبو إسحاق السبيعي ، وأبو بكر بن عياش . وقال بعضهم : عن ثلاث أو أربع وستين سنة . وعن أبي جعفر الباقر : خمس وستين سنة . وكانت خلافته خمس سنين إلا ثلاثة أشهر ، وقيل : أربع سنين وتسعة أشهر وثلاثة أيام ، وقيل : وستة أيام . وقيل : وأربعة عشر يوما . وقيل : أربع سنين وثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يوما . رضي الله عنه .

وقال جرير عن مغيرة قال : لما جاء نعي علي بن أبي طالب إلى معاوية ، وكان ذلك في وقت القائلة ، وكان نائما مع امرأته فاختة بنت قرظة في يوم صائف ، جلس وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . وجعل يبكي ، فقالت له فاختة : أنت بالأمس تطعن عليه ، واليوم تبكي عليه ! فقال : ويحك ! إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره .

وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب " مكائد الشيطان " أن رجلا من أهل الشام من أمراء معاوية غضب ذات ليلة على ابنه ، فأخرجه من منزله ، فخرج الغلام لا يدري أين يذهب ، فجلس وراء الباب من خارج ، فنام ساعة ثم استيقظ ، فإذا هو بهر أسود بري قد جاء إلى الباب الذي لهم فنادى : يا سويد ، يا سويد . فخرج إليه الهر الذي في منزلهم ، فقال له البري : ويحك ! افتح . فقال : لا أستطيع . فقال : ويحك ! ائتني بشيء أتبلغ به فإني جائع وتعبان ، هذا أوان مجيئي من الكوفة ، وقد حدث الليلة حدث عظيم ، قتل علي بن أبي طالب . قال : فقال له الهر الأهلي : والله إنه ليس هاهنا شيء إلا وقد ذكروا اسم الله عليه غير سفود كانوا يشوون عليه اللحم . فقال : ائتني به . فجاء به فجعل يلحسه حتى أخذ حاجته وانصرف ، وذلك بمرأى من الغلام ومسمع ، فقام إلى الباب فطرقه ، فخرج إليه أبوه فقال : من ؟ فقال له : افتح . فقال : ويحك ! ما لك ؟ فقال : افتح . ففتح ، فقص عليه خبر ما رأى . فقال له : ويحك ! أمنام هذا ؟ قال : لا والله . قال : ويحك ! أفأصابك جنون بعدي ؟ قال : لا والله ، ولكن الأمر كما وصفت لك ، فاذهب إلى معاوية الآن فاتخذ عنده يدا بما قلت لك . فذهب الرجل فاستأذن على معاوية ، فأخبره الخبر على ما ذكر ولده ، فأرخوا ذلك عندهم قبل مجيء البرد ، ولما جاءت البرد وجدوا ما أخبروهم به مطابقا لما كان أخبر به أبو الغلام . اعتقاد الروافض أن قبر علي رضي الله عنه بالنجف

وما يعتقده كثير من جهلة الروافض من أن قبره بمشهد النجف ، فلا دليل على ذلك ولا أصل له ، ويقال : إنما ذاك قبر المغيرة بن شعبة حكاه الخطيب البغدادي عن أبي نعيم الحافظ ، عن أبي بكر الطلحي ، عن محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ ، هو مطين ، أنه قال : لو علمت الشيعة قبر هذا الذي يعظمونه بالنجف لرجموه بالحجارة ، هذا قبر المغيرة بن شعبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية