خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما أول من بايع الحسن رضي الله عنه بالخلافة
قد ذكرنا أن عليا ، رضي الله عنه لما ضربه ابن ملجم قالوا له : استخلف يا أمير المؤمنين . فقال : لا ، ولكن أدعكم كما ترككم رسول الله صلى الله عنه وسلم - يعني بغير استخلاف - فإن يرد الله بكم خيرا يجمعكم على خيركم ، كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فلما توفي وصلى عليه ابنه الحسن ، لأنه أكبر بنيه ، رضي الله عنهم ، ودفن كما ذكرنا بدار الإمارة بالكوفة ، على الصحيح من أقوال الناس ، فلما فرغ من شأنه كان أول من تقدم إلى الحسن بن علي ، رضي الله عنه ، قيس بن سعد بن عبادة ، فقال له : ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه . فسكت الحسن ، فبايعه ثم بايعه الناس بعده ، وكان ذلك يوم مات علي ، وكان موته يوم ضرب ، على قول ، وهو يوم الجمعة السابع عشر من رمضان سنة أربعين ، وقيل : إنما مات بعد الطعنة بيومين . وقيل : مات في العشر الأخير من رمضان ، ومن يومئذ ولي الحسن ابنه .
خروج الحسن لحرب معاوية رضي الله عنهما
وكان قيس بن سعد على إمرة أذربيجان تحت يده أربعون ألف مقاتل قد بايعوا عليا على الموت ، فلما مات علي ألح قيس بن سعد على الحسن في النفير لقتال أهل الشام فعزل قيسا عن إمرة أذربيجان ، وولى عبيد الله بن عباس عليها ، ولم يكن في نية الحسن أن يقاتل أحدا ، ولكن غلبوه على رأيه ، فاجتمعوا اجتماعا عظيما لم يسمع بمثله ، فأمر الحسن بن علي قيس بن سعد بن عبادة على المقدمة في اثني عشر ألفا بين يديه ، وسار هو بالجيوش في إثره قاصدا بلاد الشام ليقاتل معاوية وأهل الشام فلما اجتاز بالمدائن نزلها وقدم المقدمة بين يديه ، فبينما هو في المدائن معسكر بظاهرها ، إذ صرخ في الناس صارخ : ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل . فثار الناس فانتهب بعضهم بعضا ، حتى انتهبوا سرادق الحسن . حتى نازعوه بساطا كان جالسا عليه ، وطعنه بعضهم حين ركب طعنة أشوته ، فكرههم الحسن كراهية شديدة ، ثم ركب فدخل القصر الأبيض من المدائن فنزله وهو جريح ، وكان عامله على المدائن سعد بن مسعود الثقفي ، أخو أبي عبيد صاحب يوم الجسر ، فلما استقر الحسن بالقصر قال المختار بن أبى عبيد ، قبحه الله ، لعمه سعد بن مسعود : هل لك في الشرف والغنى ؟ قال : وما ذا ؟ قال : تأخذ الحسن بن علي فتقيده وتبعث به إلى معاوية . فقال له عمه : قبحك الله وقبح ما جئت به ! أأغدر بابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !
الصلح بين معاوية والحسن رضي الله عنهما
ولما رأى الحسن بن علي تفرق جيشه عليه مقتهم ، وكتب عند ذلك إلى معاوية - وكان قد ركب في أهل الشام فنزل مسكن - يراوضه على الصلح بينهما فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة ، فقدما عليه الكوفة فبذلا له ما أراد من الأموال ، فاشترط أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف ألف درهم ، وأن يكون خراج دارابجرد له ، وأن لا يسب علي وهو يسمع ، فإذا فعل ذلك نزل عن الإمرة لمعاوية ، ويحقن الدماء بين المسلمين . فاصطلحوا على ذلك واجتمعت الكلمة على معاوية وقد لام الحسين أخاه الحسن على هذا الرأي ، فلم يقبل منه ، والصواب مع الحسن ، رضي الله عنه .
مبايعة قيس لمعاوية رضي الله عنهما
ثم بعث الحسن بن علي إلى أمير المقدمة قيس بن سعد أن يسمع ويطيع لمعاوية ، فأبى قيس من قبول ذلك ، وخرج عن طاعتهما جميعا ، واعتزل بمن أطاعه ، ثم راجع الأمر فبايع معاوية بعد أيام قريبة ، كما سنذكره . ثم المشهور أن مبايعة الحسن لمعاوية كانت في سنة أربعين ، ولهذا يقال له : عام الجماعة . لاجتماع الكلمة فيه على معاوية ، والمشهور عند ابن جرير وغيره من علماء السير أن ذلك كان في أوائل سنة إحدى وأربعين .
إقامة الحسن في المدينة
ثم ارتحل الحسن عن الكوفة إلى المدينة فأقام بها.
وأخرج الحاكم عن جبير بن نفير قال: (قلت للحسن: إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة؟ فقال: قد كان جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت، ويسالمون من سالمت، تركتها ابتغاء وجه الله، وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أبتزها بأتياس أهل الحجاز).