وفي سنة تسع وأربعين
وقع الطاعون بالكوفة ، فخرج منها المغيرة فارا ، فلما ارتفع الطاعون رجع إليها ، فأصابه الطاعون فمات ، والصحيح أنه مات سنة خمسين. فجمع معاوية لزياد الكوفة إلى البصرة ، فكان أول من جمع له بينهما ، فكان زياد يقيم في هذه ستة أشهر ، وفي هذه ستة أشهر ، وكان يستخلف على البصرة سمرة بن جندب فلما وصل الكوفة خطبهم فحصب وهو على المنبر ، فجلس حتى أمسكوا ثم دعا قوما من خاصته فأمرهم فأخذوا أبواب المسجد ثم قال :
ليأخذ كل رجل منكم جليسه ولا يقولن لا أدري من جليسي ، ثم أمر بكرسي فوضع له على باب المسجد ، فدعاهم أربعة أربعة يحلفون : ما منا من حصبك :
فمن حلف خلاه ومن لم يحلف حبسه ، حتى صاروا إلى ثلاثين . وقيل : ثمانين ، فقطع أيديهم على المكان . واتخذ مقصورة . كان أول قتيل قتله زياد بالكوفة أوفى بن حصن ، وكان بلغه عنه شيء ، فطلبه فهرب ، فعرض الناس [ زياد ] ، فمر به فقال : من هذا ؟ قال : أوفى بن حصن . فقال زياد : أتتك بحائن رجلاه :
وقال له : ما رأيك في عثمان ؟ قال : ختن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ابنتيه . قال : فما تقول في معاوية ؟ قال :
جواد حليم . قال : فما تقول في ؟ قال : بلغني أنك قلت بالبصرة والله لآخذن البريء بالسقيم ، والمقبل بالمدبر . قال : قد قلت ذاك . قال : خبطتها عشواء ! فقال زياد : ليس النفاخ بشر الزمرة ! فقتله .
ولما قدم زياد الكوفة قال له عمارة بن عقبة بن أبي معيط : إن عمرو بن الحمق يجمع إليه شيعة أبي تراب . فأرسل إليه زياد : ما هذه الجماعات عندك ؟ من أردت كلامه ففي المسجد . وقيل : الذي سعى بعمرو يزيد بن رويم :
فقال له زياد : قد أشطت بدمه ، ولو علمت أن مخ ساقه قد سال من بغضي ما هجته حتى يخرج علي . فاتخذ زياد المقصورة حين حصب .
فلما استخلف زياد سمرة على البصرة أكثر القتل فيها ، فقال ابن سيرين : قتل سمرة في غيبة زياد هذه ثمانية آلاف . فقال له زياد : أتخاف أن تكون قتلت بريئا ؟ فقال : لو قتلت معهم مثلهم ما خشيت . وقال أبو السوار العدوي : قتل سمرة من قومي في غداة واحدة سبعة وأربعين كلهم قد جمع القرآن .
وركب سمرة يوما فلقي أوائل خيله رجلا فقتلوه ، فمر به سمرة وهو يتشحط في دمه فقال : ما هذا ؟ فقيل أصابه أوائل خيلك . فقال : إذا سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا أسنتنا .