ذكر
قتل عروة ابن أدية وغيره من الخوارج وفي سنة ثمان وخمسين
اشتد عبيد الله بن زياد على الخوارج
فقتل منهم صبرا جماعة كثيرة ، وفي الحرب جماعة أخرى ، وممن قتل منهم صبرا عروة بن أدية .
وسبب ذلك أن ابن زياد خرج في رهان له ، فلما جلس ينتظر الخيل اجتمع الناس وفيهم عروة بن أدية ، فأقبل على ابن زياد ، فقال : خمس كن في الأمم [قبلنا ] ، فقد صرن فينا :
أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين وذكر خصلتين نسيهما الراوي ، فلما قال ذلك ظن ابن زياد أنه لم يجترئ على مثل ذلك إلا ومعه جماعة من أصحابه ، فقام فركب وترك رهانه ، فقيل لعروة : ما صنعت ، والله ليقتلنك . فتوارى ، فطلبه ابن زياد فهرب وأتى الكوفة ، فأخذ وقدم به على ابن زياد ، فقطع يديه ورجليه وقتله ، وقتل ابنته .
وأما أخوه أبو بلال مرداس فكان عابدا مجتهدا عظيم القدر في الخوارج ، وشهد صفين مع علي فأنكر التحكيم ، وشهد النهروان مع الخوارج ، وكانت الخوارج كلها تتولاه ، ورأى على ابن عامر قباء أنكره فقال : هذا لباس الفساق ! فقال أبو بكرة : لا تقل هذا للسلطان فإن من أبغض السلطان أبغضه الله ، وكان لا يدين بالاستعراض ، ويحرم خروج النساء ، ويقول لا نقاتل إلا من قاتلنا ولا نجبي إلا من حمينا .
وكانت البثجاء ، امرأة من بني يربوع ، تحرض على ابن زياد وتذكر تجبره وسوء سيرته ، وكانت من المجتهدات ، فذكرها ابن زياد ، فقال لها أبو بلال : إن التقية لا بأس بها فتغيبي فإن هذا الجبار قد ذكرك . قالت : أخشى أن يلقى أحد بسببي مكروها .
فأخذها ابن زياد فقطع يديها ورجليها ، فمر بها أبو بلال في السوق فعض على لحيته وقال : أهذه أطيب نفسا بالموت منك يا مرداس ؟ ما ميتة أموتها أحب إلي من ميتة البثجاء ! ومر أبو بلال ببعير قد طلي بقطران فغشي عليه ثم أفاق فتلا :
سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار .
ثم إن ابن زياد ألح في طلب الخوارج فملأ منهم السجن وأخذ الناس بسببهم وحبس أبا بلال قبل أن يقتل أخاه عروة ، فرأى السجان عبادته فأذن له كل ليلة في إتيان أهله ، فكان يأتيهم ليلا ويعود مع الصبح ، وكان صديق لمرداس يسامر ابن زياد ، فذكر ابن زياد الخوارج ليلة فعزم على قتلهم ، فانطلق صديق مرداس إليه فأعلمه الخبر ، وبات السجان بليلة سوء خوفا أن يعلم مرداس فلا يرجع ، فلما كان الوقت الذي كان يعود فيه إذا به قد أتى ، فقال له السجان : أما بلغك ما عزم عليه الأمير ؟ قال : بلى قال : ثم جئت ؟ قال : نعم لم يكن جزاؤك مني مع إحسانك إلي أن تعاقب .
وأصبح عبيد الله فقتل الخوارج ، فلما أحضر مرداس قام السجان ، وكان ظئرا لعبيد الله ، فشفع فيه وقص عليه قصته ، فوهبه له وخلى سبيله .
ثم إنه خاف ابن زياد فخرج في أربعين رجلا إلى الأهواز ، فكان إذا اجتاز به مال أخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ثم يرد الباقي ، فلما سمع ابن زياد خبرهم بعث إليهم جيشا عليهم أسلم بن زرعة الكلابي سنة ستين ، وقيل : أبو حصين التميمي ، وكان الجيش ألفي رجل ، فلما وصلوا إلى أبي بلال ناشدهم الله أن يقاتلوه فلم يفعلوا ، ودعاهم أسلم إلى معاودة الجماعة ، فقالو : أتردوننا إلى ابن زياد الفاسق ؟ فرمى أصحاب أسلم رجلا من أصحاب أبي بلال فقتلوه ، فقال أبو بلال : قد بدءوكم بالقتال .
فشد الخوارج على أسلم وأصحابه شدة رجل واحد فهزموهم فقدموا البصرة ، فلام ابن زياد أسلم وقال : هزمك أربعون وأنت في ألفين ، لا خير فيك ! فقال : لأن تلومني وأنا حي خير من أن تثني علي وأنا ميت . فكان الصبيان إذا رأوا أسلم صاحوا به : أما أبو بلال وراءك ! فشكا ذلك إلى ابن زياد ، فنهاهم فانتهوا .
( وقال رجل من الخوارج :
أألفا مؤمن منكم زعمتم ويقتلهم بآسك أربعونا كذبتم ليس ذاك كما زعمتم
ولكن الخوارج مؤمنونا
[
هي الفئة القليلة قد علمتم على الفئة الكثيرة ينصرونا
]