ولاية الوليد بن عتبة المدينة والحجاز وعزل عمرو بن سعيد وفي سنة إحدى وستين عزل يزيد عن إمرة الحرمين عمرو بن سعيد ، وأعاد الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، فولاه المدينة ; وذلك أن ابن الزبير لما بلغه مقتل الحسين شرع يخطب الناس ، ويعظم قتل الحسين وأصحابه جدا فقال بعد حمد الله والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن أهل العراق غدر فجر إلا قليلا ، وإن أهل الكوفة شرار أهل العراق ، وإنهم دعوا الحسين لينصروه ويولوه عليهم ، فلما قدم عليهم ثاروا عليه فقالوا : إما أن تضع يدك في أيدينا ، فنبعث بك إلى ابن زياد ابن سمية فيمضي فيك حكمه ، وإما أن تحارب ، فرأى والله أنه هو وأصحابه قليل في كثير ، فإن كان الله لم يطلع على الغيب أحدا أنه مقتول ولكنه اختار الميتة الكريمة على الحياة الذميمة ، فرحم الله الحسين وأخزى قاتله ! لعمري لقد كان من خلافهم إياه وعصيانهم ما كان في مثله واعظ وناه عنهم ، ولكنه ما قرر نازل ، وإذا أراد الله أمرا لم يدفع ، أفبعد الحسين نطمئن إلى هؤلاء القوم ونصدق قولهم ونقبل لهم عهدا ؟ لا والله لا نراهم لذلك أهلا ، أما والله لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه ، كثيرا في النهار صيامه ، أحق بما هم فيه منهم وأولى به في الدين والفضل ، أما والله ما كان يبدل بالقرآن الغناء ، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء ، ولا بالصيام شرب الخمر ، ولا بالمجالس في حلق الذكر تطلاب الصيد ، يعرض بيزيد ،
فسوف يلقون غيا .
فثار إليه أصحابه وقالوا : أظهر بيعتك فإنك لم يبق أحد إذ هلك الحسين ينازعك هذا الأمر .
فبايعه خلق كثير في الباطن ، وسألوه أن يظهرها ، فلم يمكنه ذلك مع وجود عمرو بن سعيد ، وكان شديدا عليه ولكن فيه رفق ، وقد كان كاتبه أهل المدينة وغيرهم ، وقال الناس : أما إذ قتل الحسين فليس أحد ينازع ابن الزبير . وبلغ ذلك يزيد ، وقيل له : إن عمرو بن سعيد لو شاء لبعث إليك برأس ابن الزبير ، أو يحاصره حتى يخرجه من الحرم . فبعث فعزله ، وولى الوليد بن عتبة في هذه السنة ، وقال بعضهم : في مستهل ذي الحجة . فأقام للناس الحج في هذه السنة ، وحلف يزيد ليبعثن إلى ابن الزبير فليؤتين به في سلسلة من فضة ، وبعث بها مع البريد ومعه برنس من خز لتبر يمينه ، فلما مر البريد على مروان وهو بالمدينة ، وأخبره بما هو قاصد له وما معه من الغل أنشأ مروان يقول :
فخذها فما هي للعزيز بخطة وفيها مقال لامرئ متذلل أعامر إن القوم ساموك خطة
وذلك في الجيران غزل بمغزل أراك إذا ما كنت في القوم ناصحا
يقال له بالدلو أدبر وأقبل
فلما انتهت الرسل إلى عبد الله بن الزبير ، بعث مروان ابنيه عبد الملك وعبد العزيز ليحضرا مراجعته في ذلك ، وقال : أسمعاه قولي في ذلك . قال عبد العزيز : فلما جلس الرسل بين يديه جعلت أنشده ذلك وهو يسمع ولا أشعره ، فالتفت إلي فقال : أخبرا أباكما أني أقول :
إني لمن نبعة صم مكاسرها إذا تناوحت القصباء والعشر
ولا ألين لغير الحق أسأله حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
قال عبد العزيز : فما أدري أيهما كان أعجب !
قال أبو معشر : لا خلاف بين أهل السير أن الوليد بن عتبة حج بالناس في هذه السنة وهو أمير الحرمين ، وعلى البصرة والكوفة عبيد الله بن زياد ، وعلى خراسان وسجستان سلم بن زياد أخو عبيد الله بن زياد ، وعلى قضاء الكوفة شريح ، وعلى قضاء البصرة هشام بن هبيرة .