مسير ابن الأشتر إلى قتال ابن زياد قال ابن جرير : وفي سنة ست وستين سار إبراهيم بن الأشتر إلى عبيد الله بن زياد وذلك لثمان بقين من ذي الحجة ، وقال أبو مخنف عن مشايخه : ما هو إلا أن فرغ المختار من جبانة السبيع وأهل الكناسة ، فما نزل إبراهيم بن الأشتر إلا يومين حتى أشخصه إلى الوجه الذي كان وجهه له لقتال أهل الشام فخرج يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة ست وستين ، وخرج معه المختار يودعه في وجوه أصحابه ، وخرج معهم خاصة المختار ، ومعهم كرسي المختار على بغل أشهب ليستنصروا به على الأعداء ، وهم حافون به يدعون ويستصرخون ويستنصرون ويتضرعون ، وكان سادن الكرسي حوشب البرسمي ، فلما رآهم المختار قال :

أما ورب المرسلات عرفا لنقتلن بعد صف صفا     وبعد ألف قاسطين ألفا



ثم ودعه المختار بعد أن وصاه بثلاث قال : يا ابن الأشتر ، اتق الله في سرك وعلانيتك ، وأسرع السير وعاجل عدوك بالقتال . واستمر أصحاب الكرسي سائرين مع ابن الأشتر ، فجعل ابن الأشتر يقول : اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، سنة بني إسرائيل ، والذي نفسي بيده ، إذ عكفوا على عجلهم . فلما جاوز القنطرة إبراهيم وأصحابه انصرف أصحاب الكرسي .

حال الكرسي الذي كان المختار يستنصر به قال ابن جرير : وكان سبب اتخاذ هذا الكرسي ما حدثني به عبد الله بن أحمد بن شبويه بسنده عن طفيل بن جعدة بن هبيرة قال : أعدمت مرة من الورق فإني لكذلك إذ مررت بباب جار لي له كرسي قد ركبه وسخ شديد ، فخطر على بالي أن لو قلت في هذا ، فرجعت فأرسلت إليه أن أرسل إلي بالكرسي ، فأرسل به ، فأتيت المختار فقلت له : إني كنت أكتمك شيئا وقد بدا لي أن أذكره لك . قال : وما هو ؟ قال : قلت : كرسي كان جعدة بن هبيرة يجلس عليه كأنه يرى أن فيه أثرة من علم . قال : سبحان الله ! فأخرت هذا إلى اليوم ؟ ابعث إليه . قال : فجئت به وقد غسل فخرج عودا نضارا وقد تشرب الزيت ، فأمر لي باثني عشر ألفا ، ثم نودي في الناس : الصلاة جامعة . قال : فخطب المختار الناس فقال : إنه لم يكن في الأمم الخالية أمر إلا وهو كائن في هذه الأمة مثله ، وإنه قد كان في بني إسرائيل التابوت ينصرون به ، وإن هذا مثله . ثم أمر فكشف عنه أثوابه ، وقامت السبئية فرفعوا أيديهم وكبروا ثلاثا ، فقام شبث بن ربعي فأنكر على الناس وكاد أن يكفر من يصنع بهذا التابوت هذا التعظيم ، وأشار بأن يكسر ويخرج من المسجد ويرمى به في الحش ، فشكرها الناس لشبث بن ربعي فلما قيل : هذا عبيد الله بن زياد قد أقبل . وبعث المختار إبراهيم بن الأشتر بعث معه بالكرسي يحمل على بغل أشهب قد غشي بأثواب الحرير ، عن يمينه سبعة ، وعن يساره سبعة ، فلما تواجهوا مع الشاميين وغلبوا الشاميين وقتلوا ابن زياد ، ازداد تعظيمهم لهذا الكرسي حتى بلغوا به الكفر ، قال الطفيل بن جعدة فقلت : إنا لله وإنا إليه راجعون . وندمت على ما صنعت . وتكلم الناس في هذا الكرسي ، وكثر عيب الناس له فغيب حتى لا يرى بعد ذلك .

وذكر ابن الكلبي أن المختار طلب من آل جعدة بن هبيرة الكرسي الذي كان علي يجلس عليه ، فقالوا : ما عندنا شيء مما يقول الأمير . فألح عليهم حتى علموا أنهم لو جاءوا بأي كرسي كان لقبله منهم ، فحملوا إليه كرسيا من بعض الدور ، فقالوا : هذا هو ، فخرجت شبام وشاكر وسائر رءوس المختار به ، وقد عصبوه بالحرير والديباج .

وحكى أبو مخنف أن أول من سدن هذا الكرسي موسى بن أبي موسى الأشعري ، ثم إنه عتب عليه في ذلك ، فدفعه إلى حوشب البرسمي ، فكان صاحبه حتى هلك المختار ، قبحه الله .

ويروى أن المختار كان يظهر أنه لا يعلم بما يعظم أصحابه هذا الكرسي . وقد قال في هذا الكرسي أعشى همدان :


شهدت عليكم أنكم سبئية     وإني بكم يا شرطة الشرك عارف
وأقسم ما كرسيكم بسكينة     وإن كان قد لفت عليه اللفائف
وأن ليس كالتابوت فينا وإن سعت     شبام حواليه ونهد وخارف
وإني امرؤ أحببت آل محمد     وتابعت وحيا ضمنته المصاحف
وتابعت عبد الله لما تتابعت     عليه قريش شمطها والغطارف

وقال المتوكل الليثي :


أبلغ أبا إسحاق إن جئته     أني بكرسيكم كافر
تنزوا شبام حول أعواده     وتحمل الوحي له شاكر
محمرة أعينهم حوله     كأنهن الحمص الحادر



قلت : هذا وأمثاله مما يدل على قلة عقل المختار وأتباعه وضعفه وقلة علمه وكثرة جهله ورداءة فهمه وترويجه الباطل على أتباعه وتشبيهه الباطل بالحق ليضل به الطغام ويجمع عليه جهال العوام .

وعن أبي أنس الحراني ، قال: قال المختار لرجل من أصحاب الحديث: ضع لي حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أني كائن بعده خليفة ، وطالب له ثرة ولده ، وهذه عشرة آلاف درهم وخلعة ومركوب وخادم ، فقال الرجل: أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا ، ولكن اختر من شئت من الصحابة واحطط من الثمن ما شئت ، قال: عن النبي آكد ، قال: والعذاب عليه أشد .

التالي السابق


الخدمات العلمية