عبد العزيز بن مروان ، رحمه الله تعالى

هو عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ، أبو الأصبغ ، القرشي الأموي ، ولد بالمدينة ، ثم دخل الشام مع أبيه مروان ، وكان ولي عهده من بعد أخيه عبد الملك ، وولاه أبوه إمرة الديار المصرية في سنة خمس وستين ، فكان واليا عليها إلى هذه السنة ، وشهد قتل عمرو بن سعيد بن العاص ، كما قدمنا ، وكانت له دار بدمشق ، وهي الدار التي للصوفية اليوم ، المعروفة بالخانقاه السميساطية ، ثم كانت من بعده لولده عمر بن عبد العزيز ثم تنقلت إلى أن صارت خانقاه للصوفية .

وقد روى عبد العزيز بن مروان الحديث عن أبيه ، وعبد الله بن الزبير ، وعقبة بن عامر ، وأبي هريرة . وحديثه عنه في " مسند أحمد " ، و " سنن أبي داود " ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : شر ما في الرجل شح هالع وجبن خالع . وعنه ابنه عمر ، والزهري ، وعلي بن رباح ، وجماعة .

قال محمد بن سعد : كان ثقة قليل الحديث ، وقال غيره : كان يلحن في الحديث وفي كلامه ، ثم تعلم العربية فأتقنها وأحسنها ، فكان من أفصح الناس ، وكان سبب ذلك أنه دخل عليه رجل يشكو ختنه - وهو زوج ابنته - فقال له عبد العزيز من ختنك ؟ فقال الرجل : ختنني الخاتن الذي يختن الناس . فقال لكاتبه : ويحك ، بماذا أجابني ؟ فقال الكاتب : يا أمير المؤمنين ، كان ينبغي أن تقول من ختنك ؟ فآلى على نفسه أن لا يخرج من منزله حتى يتعلم العربية ، فمكث جمعة واحدة فتعلمها ، فخرج وهو من أفصح الناس ، وكان بعد ذلك يجزل عطاء من يعرب كلامه ، وينقص عطاء من يلحن فيه ; فتسارع الناس في زمانه إلى تعلم العربية ، قال عبد العزيز يوما لرجل : ممن أنت ؟ قال من بنو عبد الدار . فقال : تجدها في جائزتك ، فنقصه مائة دينار .

وعن القعقاع بن حكيم ، قال : كتب عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن عمر : ارفع إلي حاجتك ، فكتب إليه ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول . ولست أسألك شيئا ، ولا أرد رزقا رزقنيه الله عز وجل منك .

وعن سويد بن قيس ، قال : بعثني عبد العزيز بن مروان بألف دينار إلى ابن عمر . قال : فجئته ، فدفعت إليه الكتاب . فقال : أين المال ؟ فقلت : لا أستطيعه الليلة حتى أصبح . قال : لا والله ، لا يبيت ابن عمر الليلة وله ألف دينار . قال : فدفع إلي الكتاب حتى جئته بها ، ففرقها رضي الله عنه .

ومن كلامه رحمه الله : عجبا لمؤمن يؤمن ويوقن أن الله يرزقه ويخلف عليه ، كيف يحبس مالا عن عظيم أجر وحسن سماع . ولما حضرته الوفاة أحضر له مال يخصه ، وإذا هو ثلاثمائة مدي من ذهب ، فقال : والله لوددت أنه بعر حائل بنجد . وقال : والله لوددت أني لم أكن شيئا مذكورا ، ولوددت أن أكون هذا الماء الجاري ، أو نباتة بأرض الحجاز . وقال : ائتوني بكفني الذي تكفنوني فيه . فجعل يقول : أف لك ما أقصر طويلك ، وأقل كثيرك !

قال يعقوب بن سفيان ، عن ابن بكير ، عن الليث : كانت وفاته ليلة الاثنين لثلاث عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى سنة ست وثمانين . قال ابن عساكر : وهذا وهم من يعقوب ، والصواب سنة خمس وثمانين ; فإنه مات قبل عبد الملك أخيه ، ومات عبد الملك سنة ست وثمانين .

وقد كان عبد العزيز بن مروان من خيار الأمراء ، كريما جوادا ممدحا ، وهو والد الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ، وقد اكتسى عمر أخلاق أبيه ، وزاد عليه بأمور كثيرة ، وكان لعبد العزيز من الأولاد غير عمر : عاصم وأبو بكر ومحمد والأصبغ - مات قبله بقليل ، فحزن عليه حزنا كثيرا ، ومرض بعده ومات - وسهيل ، وكان له عدة بنات : أم محمد ، وأم عثمان ، وأم الحكم ، وأم البنين ، وهن من أمهات شتى ، وله من الأولاد غير هؤلاء ، مات بالمدينة التي بناها على مرحلة من مصر ، وحمل إلى مصر في النيل ، ودفن بها ، وقد ترك عبد العزيز بن مروان من الأموال والأثاث والدواب ; من الخيل والبغال والإبل وغير ذلك ما يعجز عنه الوصف ، من جملة ذلك : ثلاثمائة مد ذهب غير الورق ، مع جوده وكرمه وبذله وعطاياه الجزيلة ; فإنه كان من أعطى الناس للجزيل ، رحمه الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية