وتوفي في سنة اثنتين وتسعين من الأعيان
مالك بن أوس بن الحدثان النصري أبو سعيد المدني
مختلف في صحبته . وقال بعضهم : ركب الخيل في الجاهلية ، ورأى أبا بكر . وقال محمد بن سعد : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يحفظ منه شيئا . وأنكر ذلك ابن معين والبخاري وأبو حاتم وقالوا : لا تصح له صحبة . والله أعلم . مات في هذه السنة ، وقيل : في التي قبلها . فالله أعلم .
طويس المغني
طويس المغني
اسمه عيسى بن عبد الله ، أبو عبد المنعم المدني ، مولى بني مخزوم ، كان بارعا في صناعته ، وكان طويلا مضطربا أحول العين ، وكان مشئوما; لأنه ولد يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفطم يوم توفي الصديق ، واحتلم يوم قتل عمر ، وتزوج يوم قتل عثمان ، وولد له يوم قتل الحسين بن علي . وقيل : ولد له يوم قتل علي . حكاه ابن خلكان وغيره . وكانت وفاته في هذه السنة عن ثنتين وثمانين سنة بالسويداء ، وهي على مرحلتين من المدينة .
الأخطل
كان شاعرا مطبقا ، فاق أقرانه في الشعر . أنس بن مالك أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار: أبو حمزة
ويقال : أبو ثمامة الأنصاري النجاري ، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه ، وأمه أم حرام مليكة بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام ، زوجة أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري . روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث جمة ، وأخبر بعلوم مهمة ، وروى عن أبي بكر وعمر وعثمان وابن مسعود وغيرهم ، وحدث عنه خلق من التابعين . قال أنس : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين ، وتوفي وأنا ابن عشرين سنة .
وقال محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن أبيه عن ثمامة قال : قيل لأنس : أشهدت بدرا؟ فقال : وأين أغيب عن بدر لا أم لك؟ قال الأنصاري : شهدها يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي : لم يذكر ذلك أحد من أصحاب المغازي . قلت : الظاهر أنه إنما شهد ما بعد ذلك من المغازي . والله أعلم .
وقد ثبت أن أمه أتت به وفي رواية : عمه زوج أمه أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، هذا أنس خادم لبيب يخدمك . فوهبته له ، فقبله ، وسألته أن يدعو له فقال :
اللهم أكثر ماله وولده ، وأدخله الجنة وثبت عنه أنه قال : كناني رسول الله صلى الل? عليه وسلم ببقلة كنت أجتنيها . وقد
استعمله أبو بكر ، ثم عمر على عمالة البحرين وشكراه في ذلك .
وقد ثبت عنه أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3512651خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما ضربني ، ولا سبني ، ولا عبس في وجهي ، ولا قال لي لشيء : لم لا فعلت كذا؟ وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له ، فقال :
اللهم كثر ماله وولده ، وطول حياته وكان أنس رضي الله عنه كثير الصلاة والصيام والعبادة .
وقد انتقل بعد النبي صلى الله عليه وسلم فسكن البصرة ، وكان له بها أربع دور ، وقد ناله أذى من جهة الحجاج ، وذلك في فتنة ابن الأشعث; توهم الحجاج منه أنه داخل في الأمر ، وأنه أفتى فيه ، فختمه الحجاج في عنقه : هذا عتيق الحجاج . وقد شكاه أنس كما قدمنا إلى عبد الملك ، فكتب إلى الحجاج يعنفه ، ففزع الحجاج من ذلك وصالح أنسا . وقد وفد أنس على الوليد بن عبد الملك في أيام ولايته ، قيل : في سنة ثنتين وتسعين ، وهو يبني جامع دمشق .
قال مكحول : رأيت أنسا يمشي في مسجد دمشق ، فقمت إليه فسألته عن
الوضوء من الجنازة ، فقال : لا وضوء . وقال الأوزاعي : حدثني إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر قال : قدم أنس على الوليد ، فقال له الوليد : ماذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر به الساعة؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
أنتم والساعة كهاتين
وقال الزهري : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك؟ قال : لا أعرف مما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلا هذه الصلاة ، وقد صنعتم فيها ما صنعتم . وفي رواية : وهذه الصلاة قد ضيعت . يعني ما كان يفعله خلفاء بني أمية من تأخير الصلاة إلى آخر وقتها الموسع; كانوا يواظبون على التأخير إلا عمر بن عبد العزيز في أيام خلافته .
وعن أنس قال : جاءت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام ، فقالت : يا رسول الله ، أنيس فادع الله له . فقال :
اللهم أكثر ماله وولده ، وأدخله الجنة . قال : فقد رأيت اثنتين ، وأنا أرجو الثالثة . وفي رواية : قال أنس : فوالله إن مالي لكثير حتى نخلي وكرمي ليثمر في السنة مرتين ، وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة . وفي رواية : وإن ولدي لصلبي مائة وستة . ولهذا الحديث طرق كثيرة ، وألفاظ منتشرة جدا ، وفي رواية : قال أنس : وأخبرتني ابنتي أمينة : أنه دفن لصلبي إلى حين مقدم الحجاج عشرون ومائة .
وقال ثابت لأنس : هل مست يدك كف رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : نعم . قال : فأعطنيها أقبلها . وقال محمد بن سعد بسنده عن المنهال بن عمرو ، قال : كان أنس صاحب نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإداوته . وقال محمد بن سعد : وعن المثنى بن سعيد الذارع قال : سمعت أنس بن مالك يقول : ما من ليلة إلا وأنا أرى فيها حبيبي صلى الله عليه وسلم . ثم يبكي .
وقال أبو داود بسنده عن أنس قال : إني لأرجو أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقول : يا رسول الله ، خويدمك .
وقال الإمام أحمد بسنده عن أنس قال :
سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة ، قال : أنا فاعل قلت : فأين أطلبك يوم القيامة يا نبي الله؟ قال : اطلبني أول ما تطلبني على الصراط . قلت : فإذا لم ألقك؟ قال : فأنا عند الميزان . قلت : فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال : فأنا عند الحوض ، لا أخطئ هذه الثلاث مواطن يوم القيامة .
وقال شعبة ، عن ثابت قال : قال أبو هريرة : ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سليم ، يعني أنس بن مالك . وقال أنس بن سيرين : كان
أحسن الناس صلاة في الحضر والسفر . وقال أنس : يا ثابت خذ مني; فإني أخذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل ، ولست تجد أوثق مني .
وقال معتمر بن سليمان ، عن أبيه : سمعت أنسا يقول : ما بقي أحد
صلى القبلتين غيري .
بسنده عن أبا حباب ، سمعت الجريري يقول : أحرم أنس من ذات عرق ، فما سمعناه متكلما إلا بذكر الله عز وجل حتى أحل . فقال لي : يا ابن أخي ، هكذا الإحرام .
وقال صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف : دخل علينا أنس يوم الجمعة ، ونحن في بعض أبيات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم نتحدث فقال : مه . فلما أقيمت الصلاة قال : إني أخاف أن أكون قد أبطلت جمعتي بقولي لكم : مه .
وقال ابن أبي الدنيا بسنده عن ثابت قال : كنت مع أنس فجاء قهرمانه ، فقال : يا أبا حمزة ، عطشت أرضنا . قال : فقام أنس ، فتوضأ وخرج إلى البرية ، فصلى ركعتين ثم دعا ، فرأيت السحاب يلتئم ، ثم مطرت حتى ملأت كل شيء ، فلما سكن المطر بعث أنس بعض أهله فقال : انظر أين بلغت السماء ، فنظر فلم تعد أرضه إلا يسيرا .
وقال الإمام أحمد بسنده عن محمد قال : كان أنس إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ففرغ منه قال : أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال الأنصاري ، عن ابن عون ، عن محمد قال : بعث أمير من الأمراء إلى أنس شيئا من الفيء ، فقال : أخمس؟ قال : لا . فلم يقبله .
وقال النضر بن شداد ، عن أبيه : مرض أنس ، فقيل له : ألا ندعو لك الطبيب؟ فقال : الطبيب أمرضني .
وقال حنبل بن إسحاق بسنده عن علي بن يزيد ، قال : كنت في القصر مع الحجاج وهو يعرض الناس ليالي ابن الأشعث ، فجاء أنس بن مالك فقال الحجاج : هي يا خبيث ، جوال في الفتن ، مرة مع علي ، ومرة مع ابن الزبير ، ومرة مع ابن الأشعث ، أما والذي نفس الحجاج بيده لأستأصلنك كما تستأصل الصمغة ، ولأجردنك كما يجرد الضب . قال : يقول أنس : من يعني الأمير؟ قال : إياك أعني ، أصم الله سمعك . قال : فاسترجع أنس ، وشغل الحجاج ، فخرج أنس فتبعناه إلى الرحبة ، فقال : لولا أني ذكرت ولدي وخفته عليهم لكلمته بكلام في مقامي هذا لا يستحييني بعده أبدا .
وقد ذكر أبو بكر بن عياش أن أنسا بعث إلى عبد الملك يشكو إليه الحجاج ، ويقول في كتابه : إني خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله لو أن اليهود والنصارى أدركوا رجلا خدم نبيهم لأكرموه . وذكر له أذية الحجاج له ، فلما قرأ عبد الملك كتابه حصل عنده أمر عظيم ، فكتب إليه يقول : ويلك ، لقد خشيت أن لا يصلح على يدي أحد . وذكر له كلاما فيه غلظة ، ويقول فيه : إذا جاءك كتابي فقم إلى أنس ، واعتذر له . فجاء كتاب عبد الملك إلى الحجاج بالغلظة في ذلك ، فهم أن ينهض إلى أنس ، فأشار إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر الذي قدم بالكتاب أن لا يذهب إلى أنس ، وأشار على أنس أن يبادر إلى الحجاج بالمصالحة وكان إسماعيل صديق الحجاج فجاء أنس ، فقام إليه الحجاج يتلقاه ، وقال : إنما مثلي ومثلك ، كما قيل : إياك أعني واسمعي يا جارة . أردت أن لا يبقى لأحد علي منطق .
وقال ابن قتيبة : كتب عبد الملك إلى الحجاج لما قال لأنس ما قال : يا ابن المستفرمة بحب الزبيب ، لقد هممت أن أركلك ركلة تهوي بها إلى نار جهنم ، قاتلك الله أخيفش العينين ، أقيبل الرجلين ، أسود الجاعرتين . ومعنى قوله : المستفرمة بحب الزبيب ، أي : تضيق فرجها عند الجماع به . ومعنى : أركلك ، أي : أرفسك برجلي .
وقال أحمد بن صالح العجلي : لم يبتل أحد من الصحابة إلا رجلين; معيقيب كان به الجذام ، وأنس بن مالك; كان به وضح . وقال الحميدي بسنده عن أبي جعفر قال : رأيت أنسا يأكل ، فرأيته يلقم لقما عظاما ، ورأيت به وضحا شديدا .
وقال أبو يعلى بسنده عن أيوب قال : ضعف أنس عن الصوم فصنع جفنة من ثريد ، ودعا ثلاثين مسكينا فأطعمهم ، وقال شعبة ، عن موسى السنبلاني ، قلت لأنس : أنت آخر من بقي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : قد بقي قوم من الأعراب ، فأما من أصحابه فأنا آخر من بقي .
وقيل له في مرضه : ألا ندعو لك طبيبا؟ فقال : الطبيب أمرضني . وجعل يقول : لقنوني لا إله إلا الله . وهو محتضر ، فلم يزل يقولها حتى قبض ، وكانت عنده عصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بها فدفنت معه .
قال عمر بن شبة وغير واحد : مات وله مائة وسبع سنين . وقال الإمام أحمد في مسنده بسنده عن حميد ، أن أنسا عمر مائة سنة غير سنة .
قال الواقدي : وهو
آخر من مات من الصحابة بالبصرة ، وكذا قال علي بن المديني والفلاس وغير واحد .
وقد اختلف المؤرخون في سنة وفاته; فقيل : سنة تسعين . وقيل : إحدى وتسعين . وقيل : ثنتين وتسعين . وقيل : ثلاث وتسعين . وهذا هو المشهور ، وعليه الجمهور ، والله أعلم .
وقال الإمام أحمد : حدثني أبو نعيم قال : توفي أنس بن مالك ، وجابر بن زيد في جمعة واحدة سنة ثلاث وتسعين . وقال قتادة : لما مات أنس قال مورق العجلي : ذهب اليوم نصف العلم . قيل له : وكيف ذاك يا أبا المعتمر؟ قال : كان الرجل من أهل الأهواء ، إذا خالفونا في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلنا لهم : تعالوا إلى من سمعه منه .
إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي
إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي ، من تيم الرباب ، يكنى أبا أسماء:
روى عن أبيه ، والحارث بن سويد في آخرين ، فكان عالما عابدا .
عن العوام بن حوشب ، قال:
ما رأيت رجلا قط خيرا من إبراهيم التيمي ، وما رأيته رافعا بصره إلى السماء في صلاة ولا غيرها ، وسمعته يقول: إن الرجل ليظلمه ، فأرحمه .
وعن إسحاق بن إبراهيم ، أنه سمع سفيان بن عيينة يقول: قال إبراهيم:
مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها ، وأعانق أبكارها ، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها ، وأعالج سلاسلها وأغلالها ، فقلت لنفسي: أي نفسي ، أي شيء تريدين؟ قالت: أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي .
وعن علي بن محمد ، قال: كان سبب حبس إبراهيم التيمي أن الحجاج طلب إبراهيم النخعي ، فجاء الذي يطلبه ، فقال: أريد إبراهيم ، فقال إبراهيم التيمي: أنا إبراهيم ، وهو يعلم أنه أراد النخعي ، فلم يستحل أن يدله عليه ، فجاء به إلى الحجاج فأمر بحبسه ، ولم يكن لهم في الحبس ظل من الشمس ، ولا كن من البرد ، وكان كل اثنين في سلسلة ، فتغير إبراهيم ، فجاءته أمه في الحبس فلم تعرفه حتى كلمها ، فمات في السجن فرأى الحجاج قائلا يقول: مات في هذه الليلة رجل من أهل الجنة ، فلما أصبح قال: هل مات الليلة أحد بواسط؟ قالوا: نعم ، إبراهيم التيمي ، قال: حلم نزعة من نزعات الشيطان ، وأمر به فألقي على الكناسة ، وذلك في هذه السنة .
وضاح اليمن
وضاح اليمن:
عن إسحاق بن الضيف ، عن أبي مسهر ، قال:
كان وضاح اليمن نشأ هو وأم البنين صغيرين ، فأحبها وأحبته ، وكان لا يصبر عنها حتى إذا بلغت حجبت عنه ، وطال بهما البلاء ، فحج الوليد بن عبد الملك فبلغه جمال أم البنين وأدبها فتزوجها ونقلها إلى الشام .
قال: فذهب عقل وضاح عليها وجعل يذوب وينحل فلما طال عليه البلاء خرج إلى الشام ، فجعل يطوف بقصر الوليد بن عبد الملك في كل يوم لا يجد حيلة حتى رأى يوما جارية صفراء ، فما زال حتى أنس بها ، فقال لها: هل تعرفين أم البنين؟ فقالت: إنك تسأل عن مولاتي ، فقال: إنها لابنة عمي ، فإنها تسر بمكاني وموضعي لو أخبرتها ، قالت: إني أخبرها فمضت الجارية فأخبرت أم البنين ، فقالت ويلك ، أحي هو؟ قالت: نعم ، قالت: قولي له كن مكانك حتى يأتيك رسولي . فلن أدع الاحتيال لك ، فاحتالت إلى أن أدخلته إليها في صندوق ، فمكث عندها حينا فإذا أمنت أخرجته ، فقعد معها وإذا خافت عين رقيب أدخلته الصندوق .
فأهدي يوما للوليد بن عبد الملك جوهر ، فقال لبعض خدمه: خذ هذا الجوهر فامض به إلى أم البنين وقل لها: أهدي هذا إلى أمير المؤمنين ، فوجه به إليك .
فدخل الخادم من غير استئذان ووضاح معها ، فلمحه ولم تشعر أم البنين ، فبادر إلى الصندوق فدخله ، فأدى الرسالة ، إليها ، وقال لها: هبي لي من هذا الجوهر حجرا ، فقالت: لا أم لك ، وما تصنع أنت بهذا؟ فخرج وهو عليها حنق فجاء الوليد فخبره الخبر ووصف له الصندوق الذي رآه دخله ، فقال: كذبت ، لا أم لك . ثم نهض الوليد مسرعا فدخل إليها وهي في ذلك البيت وفيه صناديق ، فجاء حتى جلس على ذلك الصندوق الذي وصف له الخادم ، فقال لها: يا أم البنين ، هبي لي صندوقا من صناديقك هذه ، فقالت:
يا أمير المؤمنين ، هي لك وأنا لك فقال لها: ما أريد غير هذا الذي تحتي ، فقالت: يا أمير المؤمنين ، إن فيه شيئا من أمور النساء ، قال: ما أريد غيره ، قالت: هو لك . فأمر به فحمل ودعا بغلامين وأمرهما بحفر بئر ، فحفرا حتى إذا بلغا الماء وضع فمه على الصندوق وقال: أيها الصندوق ، قد بلغنا عنك شيء فإن كان حقا فقد دفنا خبرك ودرسنا أثرك ، وإن كان كذبا فما علينا من دفن صندوق من حرج ، ثم أمر به فألقي في الحفرة ، وأمر بالخادم فقذف في ذلك المكان فوقه ، وطم عليهما المكان . فكانت أم البنين توجد في ذلك المكان تبكي إلى أن وجدت فيه يوما مكبوبة على وجهها ميتة .
وقد روى نحو هذه الحكاية هشام بن محمد بن السائب: أن أم البنين كانت عند يزيد بن عبد الملك ، وإن قصة وضاح اليمن جرت له وهي عند يزيد .