خلافة يزيد بن عبد الملك ويكنى أبا خالد ، وأمه عاتكة بنت يزيد بن معاوية ، بويع له بعهد من أخيه سليمان بن عبد الملك أن يكون ولي العهد من بعد عمر بن عبد العزيز فلما توفي عمر في رجب من هذه السنة أعني سنة إحدى ومائة بايعه الناس البيعة العامة ، وعمره إذ ذاك تسع وعشرون سنة . ولما احتضر عمر ، قيل له : اكتب إلى يزيد فأوصه بالأمة ، قال : بماذا أوصيه ؟ إنه من بني عبد الملك ، ثم كتب إليه : أما بعد فاتق يا يزيد الصرعة بعد الغفلة ، حين لا تقال العثرة ، ولا تقدر على الرجعة ، إنك تترك ما تترك لمن لا يحمدك ، وتصير إلى من لا يعذرك ، والسلام . وقال قتادة: (كتب عمر بن عبد العزيز إلى ولي العهد من بعده:

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد الله عمر بن عبد العزيز إلى يزيد بن عبد الملك، سلام عليك؛ فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو.

أما بعد: فإني كتبت وأنا دنف من وجعي، وقد علمت أني مسئول عما وليت، يحاسبني عليه مليك الدنيا والآخرة، ولست أستطيع أن أخفي عليه من عملي شيئا، فإن يرض عني... فقد أفلحت ونجوت من الهوان الطويل، وإن سخط علي... فيا ويح نفسي إلام أصير؟!

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجيرني من النار برحمته، وأن يمن علي برضوانه والجنة، فعليك بتقوى الله، الرعية الرعية، فإنك لن تبقى بعدي إلا قليلا والسلام). وعن عبيد الله بن عمرو الفهري ، قال:

لما توفي عمر بن عبد العزيز ، قال يزيد بن عبد الملك : ما جعل عمر بن عبد العزيز لربه أرجى مني ، فتنسك وأقام أربعين يوما لا تفوته صلاة في جماعة ، فقدم الأحوص فأرسلت له حبابة أنه ليس لي ولا لك عنده شيء ما دام على هذه الحال فقل أبياتا أغنيها له عسى أن يترك ما هو عليه من النسك ، فقال الأحوص:


ألا لا تلمه اليوم أن يتبلدا فقد غلب المحزون أن يتجلدا     إذا كنت عزيفا عن اللهو والصبا
فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا     فما العيش إلا ما يلذ ويشتهى
وإن لام فيه ذو الشنان وفندا

فلما خرج يزيد للجمعة عرضت له حبابة على طريقه فحركت العود وغنت البيت الأول فسبح ، فلما غنت البيت الثاني قال: مه مه ويحك لا تفعلي ، فلما غنت الثالث نفض عمامته ، وقال: مروا صاحب الشرطة أن يصلي بالناس ، وجلس معها ، ودعى بالشراب وسألها عن قائل الشعر ، فقالت: الأحوص ، فأمر به فأدخل فأجازه وأحسن إليه وأنشده مديحه . وعمد يزيد إلى كل ما صنعه عمر بن عبد العزيز مما لم يوافق هواه ، فرده ، ولم يخف شناعة عاجلة ، ولا إثما عاجلا ، فمن ذلك أن محمد بن يوسف أخا الحجاج بن يوسف كان على اليمن ، فجعل عليهم خراجا مجددا ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله بأمره بالاقتصار على العشر ونصف العشر ، وترك ما جدده محمد بن يوسف ، وقال : لأن يأتيني من اليمن حصة ذرة أحب إلي من تقرير هذه الوضيعة ، فلما ولي يزيد بعد عمر أمر بردها ، وقال لعامله : خذها منهم ولو صاروا حرضا ، والسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية