ذكر
وقعة أبي حمزة الخارجي بقديد
في هذه السنة لسبع بقين من صفر كانت الوقعة بقديد بين أهل المدينة وأبي حمزة الخارجي .
قد ذكرنا أن عبد الواحد بن سليمان ضرب البعث على أهل المدينة ، واستعمل عليهم عبد العزيز بن عبد الله ، فخرجوا ، فلما كانوا بالحرة لقيتهم جزر منحورة فتقدموا ، فلما كانوا بالعقيق تعلق لواؤهم بسمرة فانكسر الرمح ، فتشاءم الناس بالخروج ، وأتاهم رسل أبي حمزة يقولون : إننا والله ما لنا بقتالكم حاجة ، دعونا نمض إلى عدونا . فأبى أهل المدينة ولم يجيبوه إلى ذلك ، وساروا حتى نزلوا قديدا ، وكانوا مترفين ليسوا بأصحاب حرب ، فلم يشعروا إلا وقد خرج عليهم أصحاب أبي حمزة من الفضاض فقتلوهم ، وكانت المقتلة بقريش ، وفيهم كانت الشوكة ، فأصيب منهم عدد كثير ، وقدم المنهزمون المدينة فكانت المرأة تقيم النوائح على حميمها ومعها النساء ، فما تبرح النساء حتى تأتيهن الأخبار عن رجالهن ، فيخرجن امرأة امرأة ، كل واحدة منهن تذهب لقتل رجلها ، فلا تبقى عندها امرأة لكثرة من قتل .
وقيل : إن خزاعة دلت أبا حمزة على أصحاب قديد ، وقيل : كان عدة القتلى سبعمائة . ذكر دخول
أبي حمزة المدينة
وفي هذه السنة دخل أبو حمزة المدينة ثالث عشر صفر ، ومضى عبد الواحد منها إلى الشام ، وكان أبو حمزة قد أعذر إليهم وقال لهم : ما لنا بقتالكم حاجة ، دعونا نمض إلى عدونا . فأبى أهل المدينة ، فلقيهم فقتل منهم خلقا كثيرا ، ودخل المدينة فرقي المنبر وخطبهم وقال لهم : يا أهل المدينة ! مررت زمان الأحول ، يعني هشام بن عبد الملك ، وقد أصاب ثماركم عاهة فكتبتم إليه تسألونه أن يضع عنكم خراجكم ففعل ، فزاد الغني غنى والفقير فقرا ، فقلتم له : جزاك الله خيرا ، فلا جزاكم الله خيرا ولا جزاه خيرا ! واعلموا يا أهل المدينة أنا لم نخرج من ديارنا أشرا ولا بطرا ولا عبثا ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيه ، ولا لثأر قديم نيل منا ، ولكنا لما رأينا مصابيح الحق قد عطلت ، وعنف القائل بالحق ، وقتل القائم بالقسط ، ضاقت علينا الأرض بما رحبت ، وسمعنا داعيا يدعو إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن ، فأجبنا داعي الله ،
ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض ، فأقبلنا من قبائل شتى ، ونحن قليلون مستضعفون في الأرض ، فآوانا وأيدنا بنصره فأصبحنا بنعمته إخوانا ، ثم لقينا رجالكم [ بقديد ] فدعوناهم إلى طاعة الرحمن وحكم القرآن ، فدعونا إلى طاعة الشيطان وحكم بني مروان ، فشتان لعمر الله ما بين الغي والرشد ، ثم أقبلوا يهرعون وقد ضرب الشيطان فيهم بجرانه وغلت بدمائهم مراجله وصدق عليهم ظنه ، وأقبل أنصار الله - عز وجل - عصائب وكتائب بكل مهند ذي رونق ، فدارت رحانا واستدارت رحاهم بضرب يرتاب به المبطلون ، وأنتم يا أهل المدينة إن تنصروا مروان وآل مروان يسحتكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا
ويشف صدور قوم مؤمنين . يا أهل المدينة أولكم خير أول ، وآخركم شر آخر ! يا أهل المدينة أخبروني عن ثمانية أسهم فرضها الله - عز وجل - في كتابه على القوي والضعيف ، فجاء تاسع ليس له فيها سهم فأخذها لنفسه مكابرا محاربا ربه .
يا أهل المدينة بلغني أنكم تنتقصون أصحابي ! قلتم شباب أحداث وأعراب حفاة ! ويحكم ! وهل كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا شبابا أحداثا وأعرابا حفاة ؟ [ هم ] والله مكتهلون في شبابهم ، غضيضة عن الشر أعينهم ، ثقيلة عن الباطل أقدامهم . وأحسن السيرة مع أهل المدينة واستمال حتى سمعوه يقول : من زنى فهو كافر ، ومن سرق فهو كافر ، ومن شك في كفرهما فهو كافر .
وأقام أبو حمزة بالمدينة ثلاثة أشهر . ذكر
قتل أبي حمزة الخارجي
ثم إن أبا حمزة ودع أهل المدينة وقال لهم : يا أهل المدينة إنا خارجون إلى مروان ، فإن نظفر نعدل في إخوانكم ونحملكم على سنة نبيكم ، وإن يكن ما تتمنون ،
وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
ثم سار نحو الشام ، وكان مروان قد انتخب من عسكره أربعة آلاف فارس ، واستعمل عليهم عبد الملك بن محمد بن عطية السعدي ، سعد هوازن ، وأمره أن يجد السير ، وأمره أن يقاتل الخوارج ، فإن هو ظفر بهم يسير حتى يبلغ اليمن ويقاتل عبد الله بن يحيى طالب الحق .
فسار ابن عطية فالتقى أبا حمزة بوادي القرى ، فقال أبو حمزة لأصحابه : لا تقاتلوهم حتى تختبروهم . فصاحوا بهم : ما تقولون في القرآن والعمل به ؟ فقال ابن عطية : نضعه في جوف الجوالق . فقال : فما تقولون في مال اليتيم ؟ قال ابن عطية : نأكل ماله ونفجر بأمه ، في أشياء سألوه عنها . فلما سمعوا كلامه قاتلوه حتى أمسوا وصاحوا : ويحك يابن عطية ! إن الله قد جعل الليل سكنا فاسكن . فأبى وقاتلهم حتى قتلهم ، وانهزم أصحاب أبي حمزة ، من لم يقتل ، وأتوا المدينة ، فلقيهم فقتلهم ، وسار ابن عطية إلى المدينة فأقام شهرا .
وفيمن قتل مع أبي حمزة عبد العزيز القارئ المدني المعروف بيشبكست النحوي ، وكان من أهل المدينة ، يكتم مذهب الخوارج ، فلما دخل أبو حمزة المدينة انضم إليه ، فلما قتل الخوارج قتل معهم .