وفي سنة تسعين ومائة : قدم الرشيد من الري ، فأتى الرقة ، فبدأ بأم جعفر فظل عندها ، وأمر لها من الغد بستة آلاف ألف درهم ، وتخوت من الوشي ، وسلال من الزعفران ، وطرائف مما أهداه إليه علي بن عيسى بن ماهان .

وعن الزبير بن بكار قال :

حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال : كان عبيد الله بن ظبيان قاضي الرقة ، وكان الرشيد إذ ذاك بها ، فجاء إليه رجل ، فاستعدى إليه من عيسى بن جعفر ، فكتب إليه ابن ظبيان :

أما بعد ، أبقى الله الأمير وحفظه وأتم نعمه عليه ، أتاني رجل فذكر أنه فلان بن فلان ، وأن له على الأمير أبقاه الله خمسمائة ألف درهم ، فإن رأى الأمير أبقاه الله أن يحضر هو مجلس الحكم ، أو يوكل وكيلا يناظر خصمه فعل .

ودفع الكتاب إلى الرجل ، فأتى باب عيسى فدفع الكتاب إلى حاجبه ، فأوصله إليه ، فقال له : قل له : كل هذا الكتاب . فرجع إلى القاضي فأخبره ، فكتب إليه : أبقاك الله وحفظك ، وأمتع بك ، حضر رجل يقال له فلان بن فلان ، ذكر أن له عليك خمسمائة ألف درهم ، فصر معه إلى مجلس الحكم أو وكيلك إن شاء الله .

ووجه الكتاب مع عونين من أعوانه ، فحضرا باب عيسى ، ودفعا الكتاب إليه ، فغضب ورمى به ، فانطلقا فأخبراه ، فكتب إليه : حفظك الله وأبقاك ، وأمتع بك ، لا بد أن تصير أنت وخصمك إلى مجلس الحكم ، فإن أبيت أنهيت أمرك إلى أمير المؤمنين .

ثم وجه الكتاب مع رجلين من أصحابه ، فقعدا على باب عيسى حتى خرج ، فقاما إليه ودفعا إليه كتاب القاضي ، فلم يقرأه ، ورمى به ، فأبلغاه فختم قمطره وانصرف ، وقعد في بيته ، وبلغ الخبر إلى الرشيد ، فدعاه فسأله عن أمره ، فأخبره بالقصة حرفا حرفا ، فقال لإبراهيم بن عثمان : صر إلى باب عيسى بن جعفر واختم أبوابه كلها ، ولا يخرجن أحد منها ، ولا يدخل إليه أحد ، حتى يخرج إلى الرجل حقه ، أو يصير معه إلى مجلس الحكم .

فأحاط إبراهيم بداره خمسين فارسا ، وغلقت أبوابه ، فظن ابن عيسى أنه قد حدث بالرشيد أمر في قتله ، ولم يعلم ما سبب ذلك ، وجعل يكلم الأعوان من خلف الباب ، وارتفع الصياح من منزله بصراخ النساء ، فأمرهن أن يسكتن ، وقال لبعض غلمان إبراهيم : ادع لي أبا إسحاق لأكلمه ، فأعلموه ما قال ، فجاء حتى صار إلى الباب فقال له عيسى : ما حالنا ؟ فأخبره بخبر ابن ظبيان ، فأمر أن يحضر خمسمائة ألف درهم من ساعته ، وتدفع إلى الرجل ، فجاء إبراهيم إلى الرشيد فأخبره ، فقال : إذا قبض الرجل ماله أفتح عليه أبوابه .

التالي السابق


الخدمات العلمية