موت الرشيد

وفي سنة ثلاث وتسعين ومائة مات الرشيد أول جمادى الآخرة لثلاث خلون منه ، وكانت قد اشتدت علته بالطريق بجرجان ، فسار إلى طوس فمات بها . وكان قد رأى ، وهو بالرقة رؤيا أفزعته ، وغمه ذلك ، فدخل عليه جبريل بن بختيشوع ، فقال : ما لك يا أمير المؤمنين ؟ فقال : رأيت كأن كفا فيها تربة حمراء خرجت من تحت سريري هذا ، وقائلا يقول هذه تربة أمير المؤمنين . فهون عليه جبريل أمرها ، وقال : هذه من أضغاث الأحلام ، ومن حديث النفس ، فتناسها يا أمير المؤمنين . فلما سار يريد خراسان ومر بطوس ، واعتقلته العلة بها ، ذكر رؤياه التي كان رأى ؛ فهاله ذلك ، وانزعج جدا فدخل الناس عليه ، فقال لجبريل : ويحك ؟ أما تذكر ما قصصته عليك من الرؤيا ؟ فقال : بلى يا أمير المؤمنين ، فكان ماذا ؟ فدعا مسرورا الخادم ، وقال : ائتني بشيء من تربة هذه الأرض . فجاءه بتربة حمراء في يده ، فلما رآها قال : والله هذه الكف التي رأيت ، والتربة التي كانت فيها . قال جبريل : فوالله ما أتت عليه ثلاث حتى توفي رحمه الله .

وفي رواية أخرى : أنه رأى في المنام أن امرأة وقفت عليه ، وأخذت كف تراب وقالت : هذه تربتك عن قليل . فأصبح فزعا ، فقص رؤياه ، فقال له أصحابه : وما في هذا ؟ قد يرى النائم أغلظ من هذا . فبينا هو يوما يسير إذ نظر إلى امرأة فقال : هذه والله المرأة التي رأيتها في منامي ، ولقد رأيتها بين ألف امرأة ما خفيت علي ، ثم أمرها أن تأخذ كفا من تراب فتناوله ، فضربت بيدها الأرض ، وناولته ، فقال : هذه والله التربة التي رأيتها ، وهذه المرأة بعينها . وكان إذ مات هناك . وقد أمر بحفر قبره قبل موته في الدار التي كان فيها ، وهي دار حميد بن أبي غانم الطائي ، فجعل ينظر إلى قبره ، وهو يقول : ابن آدم تصير إلى هذا ! ثم أمر بقراء فقرءوا في القبر القرآن حتى ختموه ، وهو في محفة على شفير القبر ، ولما حضرته الوفاة احتبى بملاءة وجلس يقاسي سكرات الموت ، وكانت وفاته ليلة السبت ، وقيل : ليلة الأحد . مستهل جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة ، عن خمس ، وقيل : سبع وأربعين سنة . فكان ملكه ثلاثا وعشرين سنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية