ثم دخلت سنة خمس ومائتين

ذكر ولاية طاهر خراسان

وفي هذه السنة استعمل المأمون طاهر بن الحسين على المشرق ، من مدينة السلام إلى أقصى عمل المشرق ، وكان قبل ذلك يتولى الشرط بجانبي بغداذ ومعاون السواد .

وكان سبب ولايته خراسان أن طاهرا دخل على المأمون وهو يشرب النبيذ ، وحسين الخادم يسقيه ، فلما دخل طاهر سقاه رطلين ، وأمره بالجلوس ، فقال : ليس لصاحب الشرطة أن يجلس عند سيده . فقال المأمون : ذلك في مجلس العامة ، وأما في مجلس الخاصة فله ذلك .

فبكى المأمون وتغرغرت عيناه بالدموع ، فقال طاهر : يا أمير المؤمنين ، لم تبكي - لا أبكى الله عينك - ؟ والله لقد دانت لك البلاد ، وأذعن لك العباد ، وصرت إلى المحبة في كل أمرك ! قال : أبكي لأمر ذكره ذل ، وستره حزن ، ولن يخلو أحد من شجن .

وانصرف طاهر ، فدعا هارون بن جيعونة وقال له : إن أهل خراسان يتعصب بعضهم لبعض ، فخذ معك ثلاثمائة ألف درهم ، فأعط حسينا الخادم مائتي ألف ، وكاتبه محمد بن هارون مائة ألف ، وسله أن يسأل المأمون لم بكى ؟ ففعل ذلك ، فلما تغدى المأمون قال : اسقني يا حسين ، قال : لا والله ، حتى تقول لي لم بكيت حين دخل عليك طاهر . قال : وكيف عنيت بهذا الأمر ، حتى سألتني عنه ؟ قال : لغمي لذلك . قال : هو أمر إن خرج من رأسك قتلتك . قال : يا سيدي ومتى أخرجت لك سرا ؟ قال : إني ذكرت محمدا أخي ، وما ناله من الذل ، فخنقتني العبرة ، فاسترحت إلى الإفاضة ، ولن يفوت طاهرا مني ما يكره .

فأخبر حسين طاهرا بذلك ، فركب طاهر إلى أحمد بن أبي خالد ، فقال له : إن الثناء مني ليس برخيص ، وإن المعروف عندي ليس بضائع ، فغيبني عن عينه ! فقال له : سأفعل ذلك . وركب أحمد إلى المأمون ، فلما دخل عليه قال له : ما نمت البارحة .

قال : ولم ؟

قال : لأنك وليت غسان خراسان ، وهو ومن معه أكلة رأس ، وأخاف أن تخرج عليه خارجة من الترك فتهلكه .

فقال : لقد فكرت فيما فكرت فيه ، فمن ترى ؟

قال : طاهر بن الحسين .

قال : ويلك ! هو والله خالع .

قال : أنا الضامن له .

قال : فوله .

فدعا طاهرا من ساعته ، فعقد له ، فشخص في يومه ، فنزل ظاهر البلد ، فأقام شهرا ، فحمل إليه عشرة آلاف ألف درهم التي تحمل لصاحب خراسان ، وسار عن بغداذ لليلة بقيت من ذي القعدة .

وقيل كان سبب ولايته أن عبد الرحمن المطوعي جمع جموعا كثيرة بنيسابور ليقاتل بهم الحرورية بغير أمر والي خراسان ، فتخوفوا أن يكون ذلك لأصل عمل عليه ، وكان غسان بن عباد يتولى خراسان من قبل الحسن بن سهل ، وهو ابن عمه ، فلما استعمل طاهر على خراسان كان صارما للحسن بن سهل ، وسبب ذلك أن الحسن ندبه لمحاربة نصر بن شبث . قال : حاربت خليفة ، وسقت الخلافة إلى خليفة ، وأومر بمثل هذا ؟ إنما كان ينبغي أن يتوجه إليه قائد من قوادي . وصارم .

التالي السابق


الخدمات العلمية