ثم إن دبيسا دخل بغداد بعد جلوس الوزير في الوزارة بثلاثة أيام ، ودخل دار السلطان وركب في الميدان وقعد في دجلة في سفينة السلطان وراءه الناس ، ونفذ الخليفة إلى السلطان خلعا كان قد أعدها [له] مع الوزير أبي القاسم الزينبي يوم الجمعة ثالث جمادى الآخرة ، وكان الوزير في الزبزب والموكب في سفن والناس على دجلة ، وفي السفن يدعون للخليفة والسلطان ويلعنون دبيسا .
وكان سنجر قد سلم دبيسا إلى ابنته امرأة محمود ، فكانت هي التي تمانع عنه .
ورحل السلطان من العراق يطلب همذان يوم السبت رابع جمادى الآخرة وسلمت الحلة إلى بهروز والشحنكية أيضا . واتفق أنه ماتت بنت سنجر التي كانت تدافع عن دبيس ومرض محمود فأخذ دبيس ولدا صغيرا لمحمود فلم يعلم به حتى قرب من بغداد فدون الخليفة العساكر وخرج بهروز من الحلة هاربا فقصدها دبيس فدخلها في رمضان ، وبعث بهروز كاتبه يعلم السلطان بمجيء دبيس فوصلوا وهناك نظر الخادم قد بعث إلى السلطان ليقيمه من العزاء ويخلع عليه ، فلما سمع نظر بذلك دخل على السلطان وعظم الأمر وقال [له] : منعت أمير المؤمنين أن يدون وسلطت عليه عدوه وكيف يكون الحال؟ فبعث السلطان فأحضر قزل والأحمديكي ، وقال: أنتما ضمنتما دبيسا فلا أعرفه إلا منكما ، فضمن الأحمديكي ذلك على نفسه ، ورحل يطلب العراق ،
فبعث دبيس إلى الخليفة: إنك إن رضيت عني رددت أضعاف ما نفذ من الأموال ، وأكون المملوك ، فقال الناس: هذا لا يؤمن ، وباتوا تحت السلاح طول رمضان . هذا ودبيس يجمع الأموال ويبيع الغلة وقسط على القرى حتى إنه حصل على ما قيل خمسمائة ألف دينار ، وأنه قد دون عشرة آلاف فارس بعد أن وصل في ثلاثمائة ، ثم إن الأحمديكي وصل إلى بغداد يوم الخميس تاسع عشر شوال ، ودخل إلى الخليفة وأعطاه يده فقبلها ، ثم خرج فعبر قاصدا [إلى] الحلة .
ووصل الخبر بأن السلطان قد وصل إلى حلوان ، وجاءت العساكر وضاق الوقت على الحاج فأمر عليهم أمير سار بهم في ثمانية عشر يوما فلقوا شدة ، فلما سمع دبيس هذه الأخبار بعث إلى السلطان برسالة وخمسة وخمسين مهرا عربية قد انتقاها ، ونفذ ثلاثة بغال عليها صناديق مال ، وذكر بعض أصحاب دبيس أنه قد أعد للسلطان أن أصلح نوبته مع الخليفة ثلاثمائة حصان له وللخليفة مثقلة [بالذهب ] ، ومائتي ألف دينار ، وإن لم يرض عنه دخل البرية ، وأنه قد أعد الجمال والروايا والدقيق ، فبلغه أن السلطان غير راض عنه في هذه النوبة فأخذ الصبي وخرج من الحلة لا يدري أين مقصده .
ووصل الخبر أن دبيسا دخل البصرة وأخذ منها أموالا كثيرة وجميع دخل السلطان والخليفة فبعث السلطان إليه عشرة آلاف فارس ومتقدمهم قزل ، فلما علم دبيس جاء إلى نواحي الكوفة ثم قصد البرية وانقطع خبره .