وفيها غلت الأسعار بالعراق وتعذرت الأقوات بسبب العسكر الوارد ، وقدم أهل السواد إلى بغداد منهزمين قد أخذت أموالهم ، وهلكوا جوعا وعريا ; وكذلك أيضا كان الغلاء في أكثر البلاد : خراسان ، وبلاد الجبل ، وأصفهان ، وديار فارس ، والجزيرة والشام ، وأما المغرب فكان أشد غلاء بسبب انقطاع الغيث ، ودخول العدو إليها . وفي ثالث جمادى الأولى :
قبض الخليفة على وزيره ابن صدقة ورتب نقيب النقباء نائبا ثم أطلق الوزير أبو القاسم إلى داره وقبض على الوزير أبي نصر بن جهير من الدار التي سكنها بباب الأزج وأحضر إلى دار أستاذ الدار ماشيا . وفي ثامن عشرين جمادى الأولى : جلس المقتفي في منظرة الحلبة واستعرض العسكر وحفرت الخنادق ببغداد ونودي بلبس العوام السلاح وأن يمنعوا عن أنفسهم وأموالهم وكان البقش نازلا في دار تتر فلما مضى إليه الغزنوي رسولا رحل إلى ظاهر البلد تطييبا لقلب الخليفة وانقطعت الحرب ، فلما كانت عشية الثلاثاء سادس جمادى الآخرة بعث الخليفة ليلا فغلق الباب الحديد من عقد السور مما يلي جامع السلطان وبنوا خلفه وسدوه سدا قاطعا وكان لألبقش في سوق السلطان مخزن فيه طعام ورحل فنهبه العوام فأصبح العسكر فرأوا باب السور مسدودا فركب منهم نحو ألف فارس وجاءوا إلى السور مما يلي باب الجعفرية ففتحوا فيه فتحات وصعدوا وبعثوا رجالا فنقضوا البناء الذي خلف العقد وكسروا الباب الجديد وأخذوا منه قطعا وبعث البقش رسولا إلى الخليفة : لأي شيء سددتهم في وجوهنا وقد كنا نسترفق من سوق السلطان ، فلم يلتفت إلى قوله وخرج قوم من العوام فقاتلوا باب الأجمة فاستجرهم العسكر فانهزموا بين يديه فأخذ بهم فركبوا السور ونزلوا يطلبون الخيم وهناك كمين قد تكمن لهم فخرج عليهم فانهزموا فضربوهم بالسيوف فقتلوا منهم نحوا من خمسمائة ولم يتجاسر أحد يخرج إلى القتلى فنادوهم تعالوا خذوا قتلاكم .
فلما جاءت عشية ذلك اليوم جاء الأمراء فرموا أنفسهم تحت الرقة بإزاء التاج وقالوا ما كان هذا بعلمنا وإنما فعله أوباش لم نأمرهم به فعبر إليهم خادم وقبح فعلهم وقال : إنما كان الذين قتلتم نظارة ، فاعتذروا فلم يقبل عذرهم فأقاموا إلى الليل وقالوا : نحن قيام على رءوسنا ما نبرح ، أو يأذن لنا أمير المؤمنين ويعفو عن جرمنا ، فعبر إليهم الخادم وقال : أمير المؤمنين يقول أنا قد عفوت عنكم فامضوا واستحلوا من أهل القتلى ثم تقدم بإصلاح ثلم السور وخرج العوام بالدبادب والبوقات وجاء أهل المحال فعمر وحفر خندقه واختلف العسكر واجتمع البقش وابن دبيس والطرنطاي فساروا يطلبون الحلة وأخذ الدكز الملك وطلب بلاده وسكن الناس . وتوفي قاضي القضاة الزينبي ، وتقلد القضاء أبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن محمد الدامغاني ، وخرج له التوقيع بالتقليد ، وخلع عليه فركب إلى جامع القصر فجلس فيه وقرأ ابن عبد العزيز الهاشمي عهده على كرسي نصب له .