ملك صلاح الدين مدينتي حمص وحماة

لما استقر ملك صلاح الدين لدمشق ، وقرر أمرها ، استخلف بها أخاه سيف الإسلام طغدكين بن أيوب ، وسار إلى مدينة حمص مستهل جمادى الأولى ، وكانت حمص وحماة وقلعة بعرين وسلمية وتل خالد والرها من بلد الجزيرة في أقطاع الأمير فخر الدين مسعود الزعفراني ، فلما مات نور الدين لم يمكنه المقام بها لسوء سيرته في أهلها ، ولم يكن له في قلاع هذه البلاد حكم إنما فيها ولاة لنور الدين . وكان بقلعة حمص وال يحفظها ، فلما نزل صلاح الدين على حمص ، حادي عشر الشهر المذكور ، راسل من فيها بالتسليم ، فامتنعوا ، فقاتلهم من الغد ، فملك البلد وأمن أهله ، وامتنعت عليه القلعة وبقيت ممتنعة إلى أن عاد من حلب ، وترك بمدينة حمص من يحفظها ، ويمنع من بالقلعة من التصرف ، وأن تصعد إليهم ميرة .

وسار إلى مدينة حماة ، وهو في جميع أحواله لا يظهر إلا طاعة الملك الصالح بن نور الدين ، وأنه إنما خرج لحفظ بلاده عليه من الفرنج ، واستعادة ما أخذه سيف الدين صاحب الموصل من البلاد الجزرية ، فلما وصل إلى حماة ملك المدينة مستهل جمادى الآخرة ، وكان بقلعتها الأمير عز الدين جورديك ، وهو من المماليك النورية ، فامتنع من التسليم إلى صلاح الدين ، فأرسل إليه صلاح الدين يعرفه ما هو عليه من طاعة الملك الصالح ، وإنما يريد حفظ بلاده عليه ، فاستحلفه جورديك على ذلك فحلف وسيره إلى حلب في اجتماع الكلمة على طاعة الملك الصالح ، وفي إطلاق شمس الدين علي وحسن وعثمان أولاد الداية من السجن ، فسار جورديك إلى حلب ، واستخلف بقلعة حماة أخاه ليحفظها ، فلما وصل جورديك إلى حلب قبض عليه كمشتكين وسجنه ، فلما علم أخوه بذلك سلم القلعة إلى صلاح الدين فملكها . وكتب إليهم صلاح الدين كتابا بليغا يلومهم فيه على ما هم فيه من الاختلاف وعدم الائتلاف فردوا عليه أسوأ جواب ، وأحد من الحراب ، فأرسل إليهم يذكرهم أيامه وأيام أبيه وعمه في خدمة نور الدين في المواقف المحمودة التي يشهد لهم بها أهل الدين ، ثم سار إلى حلب فنزل على جبل جوشن فخاف من سطوته كل ذي جوشن.

التالي السابق


الخدمات العلمية