وفي سنة إحدى وسبعين وخمسمائة في المحرم ، برز صلاح الدين من دمشق ، وقد عظم شأنه بما ملكه من بلاد الشام ، وبكسره عسكر الموصل ، فخافه الفرنج وغيرهم ، وعزم على دخول بلدهم ونهبه والإغارة عليه ، فأرسلوا إليه يطلبون الهدنة معه ، فأجابهم إليها وصالحهم ، فأمر العساكر المصرية بالعود إلى مصر والاستراحة إلى أن يعاود طلبهم ، وشرط عليهم أنه متى أرسل يستدعيهم لا يتأخرون ولأن الشام كان مجدبا ويحتاج إلى ذلك . وأرسل جيشه صحبة القاضي الفاضل إلى الديار المصرية ; ليستغلوا المغل ثم يقبلوا ، وعزم هو على المقام بالشام واعتمد على كاتبه العماد عوضا عن أفصح العباد بتلك البلاد ، وهو القاضي الفاضل قدوة العلماء والأفاضل ورحلة الطالبين وزين المحافل زين الإسلام ومن لسانه أحد ، من حسام ولكن احتاج السلطان إلى إرساله إلى الديار المصرية ; ليكون عينا وعونا له بها ، ولسانا فصيحا يعبر عنها فاحتاج إلى أن يتعوض عنه ، ولم يكن أحد أعز عليه ولا أحب إليه منه :


وما عن رضا كانت سليمى بديلة بليلى ولكن للضرورات أحكام

وكانت إقامته ببلاد الشام وإرسال الجيش صحبة القاضي الفاضل غاية الحزم والتدبير والاهتمام ; ليحفظ ما استجد من الممالك خوفا عليه من سطوة من هنالك .

التالي السابق


الخدمات العلمية