نهب صلاح الدين بلد الإسماعيلية وذلك سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

لما رحل صلاح الدين من حلب ، على ما ذكرناه قبل ، قصد بلاد الإسماعيلية في المحرم ليقاتلهم بما فعلوه به من الوثوب عليه وإرادة قتله ، فنهب بلدهم وخربه وأحرقه ، وحصر قلعة مصياف ، وهي أعظم حصونهم ، وأحصن قلاعهم ، فنصب عليها المجانيق ، وضيق على من بها ، ولم يزل كذلك ، فأرسل سنان مقدم الإسماعيلية إلى شهاب الدين الحارمي ، صاحب حماة وهو خال صلاح الدين ، يسأله أن يدخل بينهم ويصلح الحال ويشفع فيهم ، ويقول له : إن لم تفعل قتلناك وجميع أهل صلاح الدين وأمرائه ، فحضر شهاب عند صلاح الدين وشفع فيهم وسأل الصفح عنهم ، فأجابه إلى ذلك ، وصالحهم ، ورحل عنهم .

وكان عسكره قد ملوا من طول البيكار ، وقد امتلات أيديهم من غنائم عسكر الموصل ، ونهب بلد الإسماعيلية ، فطلبوا العود إلى بلادهم للاستراحة ، فأذن لهم ، وسار هو إلى مصر مع عسكرها ، لأنه كان قد طال عهده عنها ، ولم يمكنه المضي إليها فيما تقدم خوفا على بلاد الشام ، فلما انهزم سيف الدين ، وحصر هو حلب ، وملك بلادها ، واصطلحوا ، أمن على البلاد ، ثم كر راجعا إلى دمشق في حراسة الرحمن ، وقد تلقاه أخوه شمس الدولة تورانشاه فتسالما وتعانقا وتناشدا الأشعار ، ولما دخل السلطان إلى دمشق في سابع عشر صفر فوضها إلى أخيه شمس الدولة توارنشاه ولقبه الملك المعظم ، وعزم السلطان على السفر إلى مصر ، فسار إلى مصر ، فلما وصل إليها أمر ببناء سور على مصر في الشعاري والغياض والقاهرة والقلعة التي على جبل المقطم ، دوره تسعة وعشرون ألف ذراع وثلاثمائة ذراع بالذراع الهاشمي ، ولم يزل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية