حصر الفرنج مدينة حماة

في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة، في جمادى الأولى ، حصر الفرنج أيضا مدينة حماة . وسبب ذلك أنه وصل من البحر إلى الساحل الشامي كند كبير من الفرنج من أكبر طواغيتهم ، فرأى صلاح الدين بمصر قد عاد منهزما ، فاغتنم خلو البلاد ، لأن شمس الدولة بن أيوب كان بدمشق ينوب عن صلاح الدين ، وليس عنده كثير من العسكر ، وكان أيضا كثير الانهماك في اللذات مائلا إلى الراحات ، فجمع ذلك الكند الفرنجي من بالشام من الفرنج ، وفرق فيهم الأموال ، وسار إلى مدينة حماة فحصرها وبها صاحبها شهاب الدين محمود الحارمي ، خال صلاح الدين ، وهو مريض شديد المرض ، وكان طائفة من العسكر الصلاحي بالقرب منها ، فدخلوا إليها وأعانوا من بها .

وقاتل الفرنج على البلد قتالا شديدا وهجموا بعض الأيام على طرف منه ، وكادوا يملكون البلد قهرا وقسرا ، فاجتمع أهل البلد مع العسكر إلى تلك الناحية واشتد القتال ، وعظم الخطب على الفريقين ، واستقل المسلمون وحاموا عن الأنفس والأهل والمال ، فأخرجوا الفرنج من البلد إلى ظاهره ، ودام القتال ظاهر البلد ليلا ونهارا ، وقويت نفوس المسلمين حين أخرجوهم من البلد ، وطمعوا فيهم ، وأكثروا فيهم القتل ، فرحل الفرنج حينئذ خائبين ، وكفى الله المسلمين شرهم ، فساروا إلى حارم فحصروها ، وكان مقامهم على حماة أربعة أيام .

ولما رحل الفرنج عن حماة مات صاحبها شهاب الدين الحارمي ، وكان له ابن من أحسن الشباب مات قبله بثلاثة أيام . ولما سمع الملك الناصر بنزول الفرنج على حارم خرج من مصر قاصدا بلاد الشام ; لغزو الفرنج - لعنهم الله تعالى - فكان دخوله إلى دمشق في الرابع والعشرين من شوال ، وصحبته العماد الكاتب ، وتأخر القاضي الفاضل بمصر ناويا أداء الحج في هذا العام ، تقبل الله منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية