خلافة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد بن المستضيء

لما توفي أبوه في سلخ شوال من سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، بايعه الأمراء والوزراء والكبراء والخاصة والعامة ، وكان قد خطب له على المنابر في حياة أبيه قبل موته بيسير ، فقيل : إنه إنما عهد له قبل موته بيوم ، وقيل : بأسبوع . ولكن قدر الله ، عز وجل ، أنه لم يختلف عليه اثنان بعد وفاة أبيه ، ولقب بالخليفة الناصر لدين الله ، ولم يل الخلافة من بني العباس قبله أطول مدة منه ، فإن خلافته امتدت إلى سنة وفاته في سنة اثنتين وعشرين وستمائة ; وكان ذكيا شجاعا مهيبا. ولما مات المستضيء شرع ظهير الدين ابن العطار في أخذ البيعة لولده الناصر لدين الله ، أمير المؤمنين ، فلما تمت البيعة صار الحاكم في الدولة أستاذ الدار مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب .

وفي سابع ذي القعدة قبض على ابن العطار ظهير الدين ، ووكل عليه في داره ، ثم نقل إلى التاج ، وقيد ووكل به ، وطلبت ودائعه وأمواله ، وفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ذي القعدة أخرج ميتا على رأس حمال سرا ، فغمز به بعض الناس ، فثار به العامة ، فألقوه عن رأس الحمال ، وكشفوا سوءته وشدوا في ذكره حبلا وسحبوه في البلد ، وكانوا يضعون بيده مغرفة يعني أنها قلم وقد غمسوها في العذرة ويقولون : وقع لنا يا مولانا ، إلى غير هذا من الأفعال الشنيعة ، ثم خلص من أيديهم ودفن .

هذا فعلهم به مع حسن سيرته فيهم وكفه عن أموالهم وأعراضهم .

وسيرت الرسل إلى الآفاق لأخذ البيعة ، فسير صدر الدين شيخ الشيوخ إلى البهلوان ، صاحب همذان وأصفهان والري وغيرها ، فامتنع من البيعة ، فراجعه صدر الدين ، وأغلظ له في القول ، حتى أنه قال لعسكره في حضرته : [ ليس ] لهذا عليكم طاعة ما لم يبايع أمير المؤمنين ، بل يجب عليكم أن تخلعوه من الإمارة ، وتقاتلوه ، فاضطر إلى البيعة والخطبة ، وأرسل إلى رضي الدين القزويني مدرس النظامية إلى الموصل لأخذ البيعة ، فبايع صاحبها ، وخطب للخليفة الناصر لدين الله أمير المؤمنين .

التالي السابق


الخدمات العلمية