ذكر عدة حوادث
في سنة خمس وسبعين وخمسمائة هبت ريح سوداء مظلمة بالديار الجزرية والعراق وغيرها ، وعمت أكثر البلاد من الظهر إلى أن مضى من الليل ربعه ، وبقيت الدنيا مظلمة يكاد الإنسان لا يبصر صاحبه ، وكنت حينئذ بالموصل ، فصلينا العصر والمغرب والعشاء الآخرة على الظن والتخمين ، وأقبل الناس على التضرع والتوبة والاستغفار ، وظنوا أن القيامة قد قامت ، فلما مضى مقدار ربع الليل زال ذلك الظلام والعتمة التي غطت السماء ، فنظرنا فرأينا النجوم ، فعلمنا مقدار ما مضى من الليل ، لأن الظلام لم يزدد بدخول الليل ، وكان كل من يصل من جهة من الجهات يخبر بمثل ذلك .
وفيها ، في ذي القعدة ، نزل شمس الدولة أخو صلاح الدين عن بعلبك ، وطلب عوضا عنها الإسكندرية ، فأجابه صلاح الدين إلى ذلك وأقطع بعلبك لعز الدين فرخشاه ابن أخيه ، فسار إليها ، وجمع أصحابه ، وأغار على بلاد الفرنج ، حتى وصل إلى قلعة صفد ، وهي مطلة على طبرية ، فسبى وأسر وغنم وخرب وفعل في الفرنج أفاعيل عظيمة .
وأما شمس الدولة فإنه سار إلى مصر وأقام بالإسكندرية ، وإذا أراد الله أن يقبض رجلا بأرض جعل له إليها حاجة ، فإنه أقام بها إلى أن مات بها .
وفيها قارب الجامع الذي بناه مجاهد الدين قايماز بظاهر الموصل من جهة باب الجسر الفراغ ، وأقيمت فيه الصلوات الخمس والجمعة ، وهو من أحسن الجوامع . وفيها حج القاضي الفاضل من دمشق وعاد إلى مصر ، فقاسى في الطريق أهوالا ، ولقي برحا وتعبا وكلالا ، وكان في العام الماضي قد حج من مصر وعاد إلى الشام ولكن كان أمره فيه أسهل من هذا العام .
وفيها كانت زلزلة عظيمة انهدم بسببها قلاع وقرى ، ومات خلق كثير فيها من الورى ، وسقط من رءوس الجبال صخور كبار ، وصادمت بين الجبال في البراري والقفار ، مع بعد ما بين الجبال من الأقطار . وفيها أصاب الناس غلاء شديد وفناء شريد وجهد جهيد ، فمات خلق كثير من الخلائق بهذا وهذا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
التالي
السابق