ذكر مسير صلاح الدين إلى الشام وإغارته على الفرنج

في سنة ثمان وسبعين وخمسمائة ، خامس المحرم ، سار صلاح الدين عن مصر إلى الشام ، لمناجزة الأعداء والإحسان إلى الأولياء ، وكان ذلك آخر عهده بمصر لم يعد إليها بعد ذلك ، وقد أغار في طريقه على أطراف بلاد الفرنج بأرض الكرك وجعل أخاه تاج الملوك بوري بن أيوب على الميمنة يسير ناحية عنه ; ليتمكنوا من بلاد العدو فالتقوا على الأزرق بعد سبعة أيام ، وقد أغار نائب دمشق عز الدين فروخشاه على بلاد طبرية وما حولها ، وافتتح حصونا جيدة ، وأسر منهم ألفا ، وغنم عشرين ألف رأس من الأنعام ، بيض الله وجهه . وكان دخول السلطان إلى دمشق سابع عشر من صفر ثم خرج في العشر الأول من ربيع الأول ، فاقتتل مع الفرنج في نواحي طبرية وبيسان تحت حصن كوكب ، فقتل خلق من الفريقين ، ولكن كانت الدائرة للمسلمين ، ورجع مؤيدا منصورا .

ثم ركب السلطان في جحافله وعساكره قاصدا حلب وبلاد الشرق ليأخذها ; وذلك أن المواصلة والحلبيين قد كاتبوا الفرنج حتى يغزوا على أطراف البلاد ليشغلوا الناصر بنفسه عنهم ، فكان مسيره على بلاد البقاع ثم إلى حماة ثم إلى حلب فحاصرها ثلاثا ، ورأى العدول عنها إلى غيرها أولى به ومن عجيب ما يحكى من التطير أنه لما برز من القاهرة أقام بخيمته حتى تجتمع العساكر والناس عنده ، وأعيان دولته والعلماء وأرباب الآداب ، فمن بين مودع له وسائر معه ، وكل منهم يقول شيئا في الوداع والفراق ، وما هم بصدده من السفر ، وفي الحاضرين معلم لبعض أولاده ، فأخرج رأسه من بين الحاضرين وأنشد :


تمتع من شميم عرار نجد فما بعد العشية من عرار



فانقبض صلاح الدين بعد انبساطه وتطير ، وتنكد المجلس على الحاضرين ، فلم يعد إليها إلى أن مات مع طول المدة .

ثم سار عن مصر وتبعه من التجار وأهل البلاد ، ومن كان قصد مصر من الشام بسبب الغلاء بالشام وغيره ، عالم كثير ، ثم سار فأتى دمشق ، فوصلها حادي عشر صفر من السنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية