حصر صلاح الدين كوكب
في سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وفي المحرم ، انحسر الشتاء ، فسار صلاح الدين من عكا فيمن تخلف عنده من العسكر إلى قلعة كوكب ، فحصرها ، ونازلها ، ظنا منه أن ملكها سهل ، وأن أخذها ، وهو في قلة من العسكر ، متيسر ، فلما رآها عالية منيعة [ أدرك أن ] الوصول إليها متعذر .
وكان عنده منها ومن صفد و الكرك المقيم المقعد ، لأن البلاد الساحلية ، من عكا إلى جهة الجنوب ، كانت قد ملك جميعها ما عدا هذه الحصون ، وكان يختار أن لا يبقى في وسطها ما يشغل قلبه ، ويقسم همه ، ويحتاج إلى حفظه ، ولئلا ينال الرعايا والمجتازين منهم الضرر العظيم .
فلما حصر كوكب ، ورآها منيعة ، يبطئ ملكها وأخذها ، رحل عنها ، وجعل عليها قايماز النجمي مستديما لحصاره . وكان رحيله عنها في ربيع الأول .
وأتاه رسل الملك قلج أرسلان . وقزل أرسلان وغيرهما . يهنئونه بالفتح والظفر ، وسار من كوكب إلى دمشق ، ففرح به المسلمون ودقت البشائر وزين البلد ، ووجد الصفي بن القابض وكيل الخزانة قد بنى للملك دارا بالقلعة هائلة مطلة على الشرف القبلي ، فغضب عليه وعزله من وظيفته ، وقال : إنا لم نخلق للمقام بدمشق ، وإنما خلقنا للعبادة والجهاد .
وجلس السلطان بدار العدل فحضر عنده القضاة وأهل الفضل ، وزار القاضي الفاضل في بستانه على الشرف في جوسق ابن الفراش ، وحكى له ما كان من الأمور ، واستشاره فيما يفعله في المستقبل من المهمات والغزوات.