انهزام عسكر الخليفة من السلطان طغرل

في سنة أربع وثمانين وخمسمائة جهز الخليفة الناصر لدين الله عسكرا كثيرا ، وجعل المقدم عليهم وزيره جلال الدين عبيد الله بن يونس ، وسيرهم إلى مساعدة قزل ، ليكف السلطان طغرل عن البلاد .

فسار العسكر ثالث صفر إلى أن قارب همذان ، فلم يصل قزل إليهم ، وأقبل طغرل إليهم في عساكره ، فالتقوا ثامن ربيع الأول بداي مرج عند همذان ، واقتتلوا ، فلم يثبت عسكر بغداد ، بل انهزموا وتفرقوا ، وثبت الوزير قائما ، ومعه مصحف وسيف ، فأتاه من عسكر طغرل من أسره ، وأخذ ما معه من خزانة وسلاح ودواب وغير ذلك ، وعاد العسكر إلى بغداد متفرقين .

وكنت حينئذ بالشام في عسكر صلاح الدين يريد الغزاة ، فأتاه الخبر مع النجابين بمسير العسكر البغدادي ، فقال : كأنكم وقد وصل الخبر بانهزامهم .

فقال له بعض الحاضرين : وكيف ذلك ؟ فقال : لا شك أن أصحابي وأهلي أعرف بالحرب من الوزير . وأطوع في العسكر منه ومع هذا ، فما أرسل أحدا منهم في سرية للحرب إلا وأخاف عليه وهذا الوزير غير عارف بالحرب ، وقريب العهد بالولاية ولا يراه الأمراء أهلا أن يطاع ، وفي مقابلة سلطان شجاع قد باشر الحرب بنفسه ، ومن معه يطيعه .

وكان الأمر كذلك ، ووصل الخبر إليه بانهزامهم فقال لأصحابه : كنت أخبرتكم بكذا وكذا ، وقد وصل الخبر بذلك .

ولما عادت عساكر بغداد منهزمة قال بعض الشعراء وهو أحمد بن الواثق بالله :


اتركونا من جائحات الجريمه طلعة طلعة تكون وخيمه     بركات الوزير قد شملتنا
فلهذا أمورنا مستقيمه     خرجت جندنا تريد خراسا
ن جميعا بأبهات عظيمه     بخيول وعدة وعديد
وسيوف مجربات قديمه     ووزير وطاق طنب ونقش
وخيول معدة للهزيمه     هم رأوا غرة العدو وقد أق -
بل ولوا وانحل عقد العزيمه     وأتونا ولا بخفي حنين
بوجوه سود قباح دميمه     لو رأى صاحب الزمان ولو عا
ين أفعالهم وقبح الجريمه     قابل الكل بالنكال وناهي
ك بها سبة عليهم مقيمه

.

كان ينبغي أن تتقدم هذه الحادثة ، وإنما أخرتها لتتبع الحوادث المتقدمة بعضها بعضا ، لتعلق كل واحدة منها بالأخرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية