عدة حوادث في سنة إحدى وستمائة ، في يوم الجمعة رابع عشر جمادى الآخرة ، قطعت خطبة ولي العهد ، وأظهر خط قرئ بدار الوزير نصير الدين ناصر بن مهدي الرازي وإذا هو خط ولي العهد الأمير أبي نصر ابن الخليفة إلى أبيه الناصر لدين الله أمير المؤمنين ، يتضمن العجز عن القيام بولاية العهد ، ويطلب الإقالة ، وشهد عدلان أنه خطه ، وأن الخليفة أقاله ، وعمل بذلك محضر شهد فيه القضاة والعدول والفقهاء .
وولى العهد ولده الآخر عليا ، فمات علي عن قريب ، فعاد الأمر إلى الظاهر ، فبويع له بالخلافة بعد أبيه الناصر ، كما سيأتي في سنة ثلاث وعشرين . وفي هذه السنة ولدت امرأة ببغداد ولدا له رأسان وأربع أرجل ويدان ، ومات في يومه .
وفي هذه السنة وقع الثلج بمدينة هراة أسبوعا كاملا ، فلما سكن جاء بعده سيل من الجبل من باب سرا ، خرب كثيرا من البلد ، ورمى من حصنه قطعة عظيمة ، وجاء بعده برد شديد أهلك الثمار ، فلم يكن بها تلك السنة شيء إلا اليسير .
وفيها ، في شعبان ، خرج عسكر من الغورية مقدمهم الأمير زنكي بن مسعود إلى مدينة مرو ، فلقيهم نائب خوارزم شاه بمدينة سرخس ، وهو الأمير جقر ، وكمن لهم كمينا ، فلما وصلوا إليه هزمهم ، وأخذ وجوه الغورية أسرى ، فلم يفلت منهم إلا القليل ، وأخذ أميرهم زنكي أسيرا ، فقتل صبرا ، وعلقت رءسهم بمرو أياما .
وفيها ، في ذي القعدة ، سار الأمير عماد الدين عمر بن الحسين الغوري ، صاحب بلخ ، إلى مدينة ترمذ ، وهي للأتراك الخطا ، فافتتحها عنوة ، وجعل بها ولده الأكبر ، وقتل من بها من الخطا ، ونقل العلويين منها إلى [ بلخ ] ، وصارت ترمذ دار إسلام ، وهي من أمنع الحصون وأقواها . فيها وقع
حريق عظيم بدار الخلافة في خزائن السلاح ، فاحترق شيء كثير من السلاح والمتعة والمساكن ما يقارب قيمته أربعة آلاف ألف دينار ، وشاع خبر هذا الحريق في الناس ، فأرسلت الملوك من سائر الأقطار هدايا ; أسلحة إلى الخليفة عوضا مما فات شيئا كثيرا ؛ ولله الحمد . واتفق في هذه السنة أن رجلا ببغداد نزل إلى دجلة يسبح فيها ، وأعطى ثيابه لغلامه فغرق في الماء ، فوجد في ورقة بعمامته هذه الأبيات :
يا أيها الناس كان لي أمل قصر بي عن بلوغه الأجل فليتق الله ربه رجل
أمكنه في زمانه العمل ما أنا وحدي نقلت حيث ترى
كل إلى مثله سينتقل