قتل أستاذ دار الخلافة محيي الدين يوسف بن الشيخ ابن الجوزي

وقتل أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف بن الشيخ أبي الفرج بن الجوزي ، وكان عدو الوزير ، وقتل أولاده الثلاثة; عبد الرحمن ، وعبد الله ، وعبد الكريم ، وأكابر الدولة واحدا بعد واحد ، منهم الدويدار الصغير مجاهد الدين أيبك ، وشهاب الدين سليمان شاه ، وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد .

وكان الرجل يستدعى به من دار الخلافة من بني العباس ، فيخرج بأولاده ونسائه وجواريه ، فيذهب به إلى مقبرة الخلال ، تجاه المنظرة ، فيذبح كما تذبح الشاة ، ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه . قتل مؤدب الخليفة صدر الدين علي بن النيار

وقتل شيخ الشيوخ مؤدب الخليفة صدر الدين علي بن النيار ، وقتل الخطباء والأئمة ، وحملة القرآن ، وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد ، وأراد الوزير ابن العلقمي ، قبحه الله ولعنه ، أن يعطل المساجد والمدارس والربط ببغداد ، ويستمر بالمشاهد ومحال الرفض ، وأن يبني للرافضة مدرسة هائلة ينشرون علمهم وعلمهم بها وعليها ، فلم يقدره الله تعالى على ذلك ، بل أزال نعمته عنه ، وقصف عمره بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة ، وأتبعه بولده فاجتمعا - والله أعلم - بالدرك الأسفل من النار .

ولما انقضى أمد الأمر المقدور ، وانقضت الأربعون يوما بقيت بغداد خاوية على عروشها ، ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس ، والقتلى في الطرقات كأنها التلول ، وقد سقط عليهم المطر ، فتغيرت صورهم ، وأنتنت البلد من جيفهم ، وتغير الهواء ، فحصل بسببه الوباء الشديد ، حتى تعدى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام ، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح ، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون . نودي ببغداد بالأمان

ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من كان تحت الأرض بالمطامير والقني والمغاير كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم ، وقد أنكر بعضهم بعضا ، فلا يعرف الوالد ولده ، ولا الأخ أخاه ، وأخذهم الوباء الشديد ، فتفانوا ولحقوا بمن سلف من القتلى ، واجتمعوا في البلى تحت الثرى ، بأمر الذي يعلم السر وأخفى ، الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى . رحيل السلطان المسلط هولاكوقان عن بغداد

وكان رحيل السلطان المسلط هولاكوقان عن بغداد في جمادى الأولى من هذه السنة إلى مقر ملكه ، وفوض أمر بغداد إلى الأمير علي بهادر ، فوض إليه الشحنكية بها وإلى الوزير مؤيد الدين بن العلقمي ، فلم يمهله الله ولا أهمله بعد ، بل أخذه أخذ عزيز مقتدر ، في مستهل جمادى الآخرة عن ثلاث وستين سنة ، وكان عنده فضيلة في الإنشاء ، ولديه فضيلة في الأدب ، ولكنه كان شيعيا جلدا خبيثا رافضيا ، فمات كمدا وغما وحزنا وندما ، إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم ، فولي بعده الوزارة ولده عز الدين أبو الفضل محمد ، فألحقه الله بأبيه في بقية هذا العام ، ولله الحمد والمنة . وباء شديد بالشام

وذكر أبو شامة وشيخنا أبو عبد الله الذهبي وقطب الدين اليونيني ، أنه أصاب الناس في هذه السنة بالشام وباء شديد ، وذكروا أن سبب ذلك من فساد الهواء والجو ، فسد من كثرة القتلى ببلاد العراق ، وانتشر حتى تعدى إلى بلاد الشام . فالله أعلم . اقتتال المصريون مع صاحب الكرك

وفي هذه السنة اقتتل المصريون مع صاحب الكرك الملك المغيث عمر بن العادل بن أبي بكر بن العادل الكبير ، وكان في جيشه جماعة من أمراء البحرية ، منهم ركن الدين بيبرس البندقداري ، فكسرهم المصريون ، ونهبوا ما كان معهم من الأثقال والأموال ، وأسروا جماعة من رءوس الأمراء ، فقتلوا صبرا ، وعادوا إلى الكرك في أسوأ حالة وأشنعها ، وجعلوا يفسدون في الأرض ويعيثون في البلاد ، فأرسل إليهم الناصر صاحب دمشق جيشا ليكفهم عن ذلك ، فكسرهم البحرية ، واستنصروا فبرز إليهم الناصر بنفسه ، فلم يلتفتوا إليه ، وقطعوا أطناب خيمته التي هو فيها بإشارة ركن الدين بيبرس المذكور ، وجرت حروب وخطوب يطول بسطها ، وبالله المستعان .

التالي السابق


الخدمات العلمية