والوزن أي وزن الأعمال والتمييز بين الراجح منها والخفيف والجيد والرديء وهو مبتدأ وقوله تعالى :
يومئذ متعلق بمحذوف خبره وقوله تعالى :
الحق صفته أي والوزن الحق الثابت يوم إذ يكون السؤال والقص واختار هذا بعض من المعربين وقيل : الظاهر أن ( الحق ) خبر و ( يومئذ ) ظرف للوزن لئلا يقع الفصل بين الصفة والموصوف .
ولعل وجه عدم اختيار هذا أن فيه إعمال المصدر المعرف وهو قليل وفي الكشف ليس المعنى على أن الوزن هو الحق بل أن الوزن الحق يكون يومئذ ألا يرى إلى قوله سبحانه :
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة وذكر الأصفهاني في شرح اللمع
لابن جني أن ( الحق ) بدل من الضمير المستتر في الظرف وهو وجه حسن إلا أن الأول رجح جانب المعنى ولم يبال بالفصل بالخبر لاتحاده من وجه بالمبتدأ لا سيما والظرف يتوسع فيه وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء أن يكون ( الحق ) خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل : ما ذلك الوزن فقيل : هو الحق أي العدل السوي وأن يكون ( الوزن ) خبر مبتدأ محذوف أيضا أي هذا الوزن وهو كما ترى وقرئ ( القسط ) والوزن كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب معرفة قدر الشيء يقال وزنته وزنا وزنة والمتعارف فيه عند العامة ما يقدر بالقسطاس والقبان واختلف في كيفيته يوم القيامة والجمهور كما قال القاضي على أن صحائف الأعمال هي التي توزن بميزان له لسان وكفتان لينظر إليه الخلائق إظهارا للمعدلة وقطعا للمعذرة كما يسألون عن أعمالهم فتعترف بها ألسنتهم وجوارحهم ولا تعرض لهم لماهية هاتيك الصحائف والله تعالى أعلم بحقيقتها .
ويؤيد ذلك ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه
nindex.php?page=showalam&ids=13933والبيهقي وغيرهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=680803يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل منها مد البصر فيقول سبحانه : أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول : لا يا رب فيقول سبحانه أفلك عذر أو حسنة فيهاب الرجل فيقول لا يا رب فيقول جل شأنه : بلى إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج له بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول : يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فيقال : إنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة [ ص: 83 ] والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء وهذه الشهادة على ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي نقلا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14155الحكيم الترمذي ليست شهادة التوحيد لأن من
شأن الميزان أن يوضع في إحدى كفتيه شيء وفي الأخرى ضده فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة ومن المستحيل أن يؤتى لعبد واحد بكفر وإيمان معا فيستحيل أن توضع شهادة التوحيد في الميزان أما بعد الإيمان فإن النطق بهذه الكلمة الطيبة حسنة فتوضع في الميزان كسائر الحسنات وأيد ذلك بقوله جل وعلا في الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=687544إن لك عندنا حسنة دون أن يقول سبحانه إيمانا وجوز أن يكون المراد هذه الكلمة إذا كانت آخر كلامه في الدنيا وجوز غيره أن تكون كلمة التوحيد ومنع لزوم وضع الضد في الكفة الأخرى ليلزم المحال فتدبر وجاء في خبر آخر أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12455ابن أبي الدنيا والنميري في كتاب الأعلام عن
عبد الله أيضا قال
إن لآدم عليه السلام من الله عز وجل موقفا في فسح من العرش عليه ثوبان أخضران كأنه نخلة سحوق ينظر إلى من ينطلق به من ولده إلى الجنة ومن ينطلق به إلى النار فبينا آدم على ذلك إذ ينظر إلى رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ينطلق به إلى النار فينادي آدم عليه السلام يا أحمد يا أحمد فيقول عليه الصلاة والسلام لبيك يا أبا البشر فيقول هذا رجل من أمتك ينطلق به إلى النار قال صلى الله عليه وسلم فأشد المئزر وأسرع في أثر الملائكة فأقول : يا رسل ربي قفوا فيقولون نحن الغلاظ الشداد الذين لا نعصي الله تعالى ما أمرنا ونفعل ما نؤمر فإذا أيس النبي صلى الله عليه وسلم قبض على لحيته بيده اليسرى واستقبل العرش بوجهه فيقول يا رب قد وعدتني أن لا تخزيني في أمتي فيأتي النداء من قبل العرش أطيعوا محمدا وردوا هذا العبد إلى المقام فيخرج صلى الله عليه وسلم بطاقة بيضاء كالأنملة فيلقيها في كفة الميزان اليمنى وهو يقول بسم الله فترجح الحسنات على السيئات فينادي المنادي سعد وسعد جده وثقلت موازينه انطلقوا به إلى الجنة فيقول يا رسل ربي قفوا حتى أسأل هذا العبد الكريم على ربه فيقول بأبي أنت وأمي ما أحسن وجهك وأحسن خلقك من أنت فقد أقلتني عثرتي ورحمت عبرتي فيقول عليه الصلاة والسلام أنا نبيك محمد وهذه صلاتك التي كنت تصلي علي وفيتكها أحوج ما تكون إليها . انتهى .
ولعل فعل مثل هذا إذا صح الخبر مبالغة في إظهار كرامة النبي صلى الله عليه وسلم على ربه عز وجل بين الأولين والآخرين .
وقيل توزن الأشخاص واحتجوا له بما أخرجه الشيخان من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله تعالى عنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=654360إنه ليؤتى العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله تعالى جناح بعوضة ولا أدري على هذا ما يوضع في الكفة الأخرى في الميزان إذا وضع المذنب في إحداهما ووضع شخص في مقابلة شخص لا أراه إلا كما ترى والخبر ليس نصا في الدعوى كما لا يخفى وقيل : إن هذه الأعمال الظاهرة في هذه النشأة بصورة عرضية تظهر في النشأة الآخرة بصورة جوهرية مناسبة لها في الحسن والقبح وروي هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وصححه غير واحد وقال : إن عليه الاعتقاد وفي الآثار ما يؤيده فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر عن
nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي قال يجاء بعمل الرجل فيوضع بكفة ميزانه يوم القيامة فيخف فيجاء بشيء أمثال الغمام فيوضع في كفة ميزانه فيرجحه فيقال له أتدري ما هذا فيقول : لا فيقال له هذا فضل العلم الذي كنت تعلمه الناس وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن
حماد بن أبي سليمان بمعناه .
وقيل : الوزن عبارة عن القضاء السوي والحكم العادل واستعمال لفظ الوزن في هذا المعنى شائع في اللغة والعرف بطريق الكناية وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك وإليه ذهب
المعتزلة إلا أن منهم من جوز
[ ص: 84 ] الوزن بالمعنى المتعارف عليه عقلا وإن لم يقض بثبوته كالعلاف
وبشر بن المعتمر ومنهم من أحاله لأن الأعمال أعراض وهي مما لا تبقى ومما لا يمكن إعادتها لكنها أعراض والأعراض يمتنع وزنها إذ لا توصف بثقل ولا خفة سلمنا إمكان وزنها لكن لا فائدة في ذلك إذ المقصود إنما هو العلم بتفاوت الأعمال والله تعالى عالم بذلك وما لا فائدة فيه ففعله قبيح والرب تعالى منزه عن فعل القبيح وجوابه يعلم مما قدمنا .
وفسر هؤلاء الميزان بالعدل والإنصاف واعترض الآمدي على ذلك بأن الميزان موصوف بالثقل والخفة والعدل والإنصاف يوصفان بذلك وفي الأخبار ما هو صريح في أن الميزان جسماني فقد أخرج الحاكم وصححه عن
nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسع فتقول الملائكة يا رب من يزن هذا فيقول الله تعالى : من شئت من خلقي فتقول الملائكة سبحانك ما عبدناك حق عبادتك وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك واللالكائي عنه قال :
يوضع الميزان وله كفتان لو وضع في إحداهما السموات والأرض ومن فيهن لوسعه فتقول الملائكة من يزن هذا. الحديث .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
خلق الله تعالى كفتي الميزان مثل السموات والأرض فقالت الملائكة يا ربنا من تزن بهذا فقال أزن به من شئت وفي بعض الآثار أن الله تعالى كشف عن بصر
داود عليه السلام فرأى من الميزان ما هاله حتى أغمي عليه فلما أفاق قال : يا رب من يملأ كفة هذا حسنات فقال جل شأنه يا
داود إذا رضيت عن عبد ملأتها بشق تمرة تصدق بها إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة فالأولى كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج اتباع ما جاء في الأحاديث ولا مقتضى للعدول عن ذلك فإن قيل إن المكلف يوم القيامة إما مؤمن بأنه تعالى حكيم منزه عن الجور فيكفيه حكمه تعالى بكيفيات الأعمال وكمياتها وإما منكر له فلا يسلم حينئذ أن رجحان بعض الأعمال على بعض لخصوصيات راجعة إلى ذوات تلك الأعمال بل يسنده إلى إظهار الله تعالى إياه على ذلك الوجه فما الفائدة في الوزن أجيب بأنه ينكشف الحال يومئذ وتظهر جميع الأشياء بحقائقها على ما هي عليه وبأوصافها وأحوالها في أنفسها من الحسن والقبح وغير ذلك وتنخلع عن الصور المستعارة التي بها ظهرت في الدنيا فلا يبقى لأحد ممن يشاهدها شبهة في أنها هي التي كانت في الدنيا بعينها وأن كل واحد منها قد ظهر في هذه النشأة بصورته الحقيقية المستتبعة لصفاته ولا يخطر بباله خلاف ذلك قاله بعض المحققين والله تعالى أعلم بحقيقة الحال .
فمن ثقلت موازينه تفصيل للأحكام المترتبة على الوزن والموازين إما جمع ميزان وجمعه مع أن المشهور الصحيح أن الميزان مطلقا واحد باعتبار تعدد الأوزان أو الموزونات وكذا إذا قلنا بأن ميزان كل شخص واحد وفي الكلام مضاف مقدر أي كفة موازينه وإما جمع موزون وإضافته للعهد لترتب الفلاح على ذلك فالمراد الحسنات والجمع على هذا ظاهر وكذا لو قلنا إن لكل عمل ميزانا
فأولئك إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة والجمعية باعتبار معناه كما أن إفراد ضمير ( موازينه ) العائد إليه باعتبار لفظه وما فيه من معنى البعد لما مر غير مرة وهو مبتدأ و ( هم ) إما ضمير فصل يفصل به بين الخبر والصفة ويؤكد النسبة ويفيد اختصاص المسند بالمسند إليه و
المفلحون (8) أي الفائزون بالنجاة والثواب
[ ص: 85 ] خبر وإما مبتدأ ثان و ( المفلحون ) خبره والجملة خبر المبتدأ الأول وتعريف المفلحين للدلالة على أنهم الناس الذين بلغك أنهم مفلحون في الآخرة أو إشارة إلى ما يعرفه كل أحد من حقيقة المفلحين وخصائصهم .