قال استئناف كما سلف والفاء في قوله تعالى :
فاهبط منها لترتيب الأمر على ما ظهر منه من
[ ص: 90 ] الباطل وضمير
منها قيل للجنة وكونه من سكانها مشهور والمراد بها عند بعض الجنة التي يسكنها المؤمنون يوم القيامة وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنها روضة
بعدن وفيها خلق
آدم عليه السلام وكانت على نشز من الأرض في قول وأصل الهبوط الانحدار على سبيل القهر كما في هبوط الحجر وإذا استعمل في الإنسان ونحوه فعلى سبيل الاستخفاف كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب .
ولم يشترط بعضهم فيه سوى الانتقال من شريف إلى ما دونه لقوله تعالى :
اهبطوا مصرا والأمر عليه واضح وإن لم نقل : إن تلك الجنة كانت على نشز وقيل : الضمير لزمرة الملائكة أي اخرج من زمرة الملائكة المعززين فإن الخروج من زمرتهم هبوط وأي هبوط وفي سورة الحجر
فاخرج منها وقيل : الضمير للسماء وإليه ذهب جماعة ورد بأن وسوسته
لآدم عليه السلام كانت بعد هذا الطرد فلا بد أن يحمل على أحد الوجهين السابقين قطعا ويكون وسوسته على الوجه الأول بطريق النداء من باب الجنة كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري وأجيب بأنه يحتمل أن يكون المراد من ذلك الجنة أو زمرة الملائكة أيضا بناء على أن الأولى ومعظم الثانية في السماء أو يقال : إن القصة وقعت في الأرض وكانت الجنة فيها وبعد العصيان حجب اللعين من السماء التي هي مقره ومعبده ومعنى أمره بالخروج منها أمره بقطع علائقه عنها واتخاذها مأوى له بعد وهذا كما تقول لمن غصب دارك مثلا عند نحو القاضي : اخرج من داري مع أنه إذ ذاك ليس فيها تريد لا تدخلها واقطع علائقك عنها وقيل : الضمير للأرض .
فقد روي أنه أخرج منها إلى
الجزائر وأمر أن لا يدخلها إلا خفية ويبعده أنه لا يظهر للتخصيص في قوله تعالى :
فما يكون لك أي فما يصح ولا يستقيم ولا يليق بشأنك
أن تتكبر فيها على هذا وجه إلا على بعد .
وأما على الأوجه السابقة فالوجه ظاهر وهو مزيد شرافة المخرج منه وعلو شأنه وتقدس ساحته ومن هنا يعلم أنه لا دلالة في الآية على جواز التكبر في غير ذلك عند القائلين بالمفهوم والجملة تعليل للأمر بالهبوط ولا يخفى لطافة التعبير به دون الخروج في مقابلة قوله
أنا خير منه خلقتني من نار المشير إلى ارتفاع عنصره وعلو محله والتكبر على ما قيل كالكبر وهو الحالة التي يختص بها الشخص من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره وأعظم والمراد بالتكبر ها هنا إما التكبر على الله تعالى وهو أعظم التكبر ويكون بالامتناع من قبول الحق والإذعان له بالعبادة .
وفسره بعضهم بالمعصية وإما التكبر على
آدم عليه السلام بزعمه أنه خير منه وأكبر قدرا وقيل المراد ما هو أعم منه ومن التكبر على الملائكة حيث زعم أن له خصوصية ميزته عليهم وأخرجته من عمومهم وفيه تأمل وزعم البعض أن في الآية تنبيها على أن التكبر لا يليق بأهل الجنة فكما يمنع من القرار فيها يمنع من دخولها بعد ذلك وأنه تعالى إنما طرده لتكبره لا لمجرد عصيانه وهو ظاهر على أحد الاحتمالات كما لا يخفى والظرف إما متعلق بما عنده أو بمحذوف وقع حالا وقوله تعالى :
فاخرج تأكيد للأمر بالهبوط متفرع عليه وقوله سبحانه :
إنك من الصاغرين (13) تعليل للأمر بالخروج مشعر بأنه لتكبره أي إنك من أهل الصغار والهوان على الله تعالى وعلى أوليائه لتكبرك .
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في شعب الإيمان عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
[ ص: 91 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=692144من تواضع لله رفعه الله تعالى ومن تكبر وضعه الله عز وجل ومن حديثه رضي الله تعالى عنه من تواضع لله تعالى رفع الله تعالى حكمته وقال : انتعش نعشك الله ومن تكبر وعدا طوره وهصه الله تعالى إلى الأرض وقيل : المراد من الأذلاء في الدنيا بالذم واللعن وفي الآخرة بالعذاب بسبب ما ارتكبه من المعصية والتكبر وإذلال الله تعالى المتكبرين يوم القيامة مما نطقت به الأخبار .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن
عمرو بن شعيب عن جده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=687235يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى السجن في جهنم يقال له : بولس يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار وفسر بعضهم الصاغر بالراضي بالذل كما هو المشهور فيه والمراد وصفه بأنه خسيس الطبع دنيء وأنه رأى نفسه أكبر من غيره وليس بالكبير ولقد أبدع
أبو نواس بقوله خطابا له .
سوأة بالعين أنت اختلست الناس غيظا عليهم أجمعينا
تهت لما أمرت في سالف الدهـ
ر وفارقت زمرة الساجدينا
عندما قلت لا أطيق سجودا
لمثال خلقته رب طينا
حسدا إذ خلقت من مارج النـ
ار لمن كان مبتدا العالمينا
ثم صيرت في القيادة تسعى
يا مجير الزناة واللائطينا
وله أيضا من أبيات فيه :
تاه على آدم في سجدة وصار قوادا لذريته