يا بني آدم خطاب للناس كافة واستدل به على دخول أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد ولا يخفى سر هذا العنوان في هذا المقام .
قد أنزلنا عليكم لباسا أي خلقنا لكم ذلك بأسباب نازلة من السماء كالمطر الذي ينبت به القطن الذي يجعل لباسا قاله الحسن وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12150أبي مسلم أن المعنى أعطيناكم ذلك ووهبناه لكم وكل ما أعطاه الله تعالى لعبده فقد أنزله عليه من غير أن يكون هناك علو أو سفل بل هو جار مجرى التعظيم كما تقول : رفعت حاجتي إلى فلان وقصتي إلى الأمير وليس هناك نقل من سفل إلى علو وقيل المراد قضينا لكم وقسمناه وقضاياه تعالى وقسمه توصف بالنزول من السماء حيث كتب في اللوح المحفوظ وعلى كل فالكلام لا يخلو عن مجاز ويحتمل أن يكون في المسند وهو الظاهر ويحتمل أن يكون في اللباس أو الإسناد .
وقوله سبحانه :
يواري أي يستر ترشيح على بعض الاحتمالات وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13980الجبائي أن الكلام على حقيقته مدعيا نزول ذلك مع
آدم وحواء من الجنة حين أمرا بالهبوط إلى الأرض ولم نقف في ذلك على خبر كسته الصحة لباسا نعم أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر بسند ضعيف عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أهبط آدم وحواء عليهما السلام عريانين جميعا عليهما ورق الجنة فأصاب آدم الحر حتى قعد يبكي ويقول لها : يا حواء قد آذاني الحر فجاءه جبريل عليه السلام بقطن وأمرها أن تغزله وعلمها وعلم آدم وأمره بالحياكة وعلمه .
وجاء في خبر آخر أنه عليه السلام أهبط ومعه البذور فوضع إبليس عليها يده فما أصاب يده ذهب منفعته .
وفي آخر رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج أنه عليه السلام أهبط معه ثمانية أزواج من الإبل والبقر والضأن والمعز وبأسنة والعلاة والكلبتان وغريسة عنب وريحان وكل ذلك على ما فيه لا يدل على المدعي وإن صلح بعض ما فيه لأن يكون مبدأ لما يواري
سوآتكم أي التي قصد إبليس عليه اللعنة إبداءها من أبويكم حتى اضطرا إلى خصف الأوراق وأنتم مستغنون عن ذلك روى غير واحد أن العرب كانوا يطوفون بالبيت عرايا ويقولون نطوف بثياب عصينا الله تعالى فيها فنزلت هذه الآية وقيل : إنهم كانوا يطوفون كذلك تفاؤلا بالتعري عن الذنوب والآثام ولعل ذكر قصة
آدم عليه السلام حينئذ للإيذان بأن انكشاف العورة أول سوء أصاب الإنسان من قبل الشيطان وأنه أغواهم في ذلك كما فعل بأبويهم .
وفي الكشاف أن هذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدء السوآت وخصف الورق عليها إظهارا للمنة فيما خلق من اللباس ولما في العري وكشف العورة من المهانة والفضيحة وإشعارا بأن التستر باب عظيم من أبواب التقوى
وريشا أي زينة أخذا من ريش الطير لأنه زينة له وعطفه على هذا من عطف الصفات فيكون اللباس موصوفا بشيئين مواراة السوأة والزينة ويحتمل أن يكون من عطف الشيء على غيره أنزلنا لباسين لباس مواراة ولباس زينة فيكون مما حذف فيه الموصوف أي لباسا ريشا أي ذا ريش
[ ص: 104 ] وتفسير الريش بالزينة مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد وذكر بعض المحققين أنه مشترك بين الاسم والمصدر وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي أن المراد به المال ومنه تريش الرجل أي تمول وعن الأخفش أنه الخصب والمعاش وقال
الطبرسي : إنه جميع ما يحتاج إليه .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان رضي الله تعالى عنه ( ورياشا ) وهو إما مصدر كاللباس أو جمع ريش كشعب وشعاب
ولباس التقوى أي العمل الصالح كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أو خشية الله تعالى كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير .
أو الحياء كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن أو الإيمان كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي أو ما يستر العورة وهو اللباس الأول كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد أو لباس الحرب الدرع والمغفر والآلات التي يتقي بها من العدو كما روي عن
زيد بن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم واختاره
أبو مسلم أو ثياب النسك والتواضع كلباس الصوف والخشن من الثياب كما اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=13980الجبائي فاللفظ إما مشاكلة وإما مجاز وإما حقيقة ورفعه بالابتداء وخبره جملة
ذلك خير والرابط اسم الإشارة لأنه يكون رابطا كالضمير .
وجوز أن يكون الخبر
خير و
ذلك صفة لباس وإليه ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج nindex.php?page=showalam&ids=12590وابن الأنباري وغيرهما واعترض بأن الأسماء المبهمة أعرف من المعرف باللام ومما أضيف إليه والنعت لا بد أن يساوي المنعوت في رتبة التعريف أو يكون أقل منه ولا يجوز أن يكون أعرف منه فلذا قيل إن
ذلك بدل أو بيان لا نعت وأجيب بأن ذلك غير متفق عليه فإن تعريف اسم الإشارة لكونه بالإشارة الحسية الخارجة عن الوضع قيل : إنه أنقص من ذي اللام وقيل : إنهما في مرتبة واحدة وعن أبي علي وهو غريب أن ذلك لا محل له من الإعراب وهو فصل كالضمير وقرئ ( ولباس التقوى ) بالنصب عطفا على ( لباسا ) قال بعض المحققين : وحينئذ يكون اللباس المنزل ثلاثة أو يفسر ( لباس التقوى ) بلباس الحرب أو يجعل الإنزال مشاكلة وذكر على القراءة المشهورة أن ذلك إن كان إشارة للباس المواري فلباس التقوى حقيقة والإضافة لأدنى ملابسة وإن كان للباس التقوى فهو استعارة مكنية تخييلية أو من قبيل لجين الماء وعلى كل تكون الإشارة بالبعيد للتعظيم بتنزيل البعد الرتبي منزلة البعد الحسي فتأمل ولا تغفل .
ذلك أي إنزال اللباس المتقدم كله أو الأخير
من آيات الله الدالة على عظيم فضله وعميم رحمته
لعلهم يذكرون (26) فيعرفون نعمته أو يتعظون فيتورعون عن القبائح.