صفحة جزء
وبينهما حجاب أي بين الفريقين كقوله تعالى : فضرب بينهم بسور أو بين الجنة والنار حجاب عظيم ليمنع وصول أثر إحداهما إلى الأخرى وإن لم يمنع وصول النداء وأمور الآخرة لا تقاس بأمور الدنيا .

وعلى الأعراف أي أعراف الحجاب أي أعاليه وهو السور المضروب بينهما جمع عرف مستعار من عرف الدابة والديك وقيل : العرف ما ارتفع من الشيء أي أعلى موضع منه لأنه أشرف وأعرف ما فيه مما انخفض منه وقيل : ذاك جبل أحد .

فقد روي عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أحد يحبنا ونحبه و إنه يوم القيامة يمثل بين الجنة والنار يحبس عليه أقوام يعرفون كلا بسيماهم وهم إن شاء الله تعالى من أهل الجنة وقيل : هو الصراط وروي عن الحسن بن المفضل وحكي عن بعضهم أنه لم يفسر الأعراف بمكان وأنه قال : المعنى وعلى معرفة أهل الجنة والنار رجال والحق أنه مكان والرجال طائفة من الموحدين قصرت بهم سيئاتهم عن الجنة وتجاوزت [ ص: 124 ] بهم حسناتهم عن النار جعلوا هناك حتى يقضي بين الناس فبينما هم كذلك إذ اطلع عليهم ربهم فقال لهم : قوموا ادخلوا الجنة فإني غفرت لكم أخرجه أبو الشيخ والبيهقي وغيرهما عن حذيفة وفي رواية أخرى عنه يجمع الله تعالى الناس ثم يقول لأصحاب الأعراف ما تنتظرون قالوا : ننتظر أمرك فيقال : إن حسناتكم تجاوزت بكم النار أن تدخلوها وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم فادخلوها بمغفرتي ورحمتي وإلى ذا ذهب جمع من الصحابة والتابعين وقيل : هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أجلسهم الله تعالى على أعالي ذلك السور تمييزا لهم على سائر أهل القيامة وإظهارا لشرفهم وعلو مرتبتهم .

وروى الضحاك عن ابن عباس أنهم العباس وحمزة وعلي وجعفر ذو الجناحين رضي الله تعالى عنهم يجلسون على موضع من الصراط يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضيهم بسوادها وقيل : إنهم عدول القيامة الشاهدون على الناس بأعمالهم وهم من كل أمة حكاه الزهري وأخرج البيهقي وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو الشيخ والطبراني وغيرهم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سئل عن أصحاب الأعراف فقال هم أناس قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم فمنعهم من دخول الجنة معصية آبائهم ومنعهم من دخول النار قتلهم في سبيل الله وقيل : هم أناس رضي عنهم أحد أبويهم دون الآخر .

وقال الحسن البصري : إنهم قوم كان فيهم عجب وقال مسلم بن يسار : هم قوم كان عليهم دين وقيل : هم أهل الفترة وقيل : أولاد المشركين وفي رواية عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم أولاد الزنا وعنه أيضا أنهم مساكين أهل الجنة .

وعن أبي مسلم أنهم ملائكة يرون في صورة الرجال لا أنهم رجال حقيقة لأن الملائكة لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة وقيل وقيل وأرجح الأقوال كما قال القرطبي الأول وجمع بعضهم بينها بأنه يجوز أن يجلس الجميع ممن ورد فيهم أنهم أصحاب الأعراف هناك مع تفاوت مراتبهم على أن من هذه الأقوال ما يخفى تداخله .

ومن الناس من استظهر القول بأن أصحاب الأعراف قوم علت درجاتهم لأن المقالات الآتية وما تتفرع هي عليه لا تليق بغيرهم يعرفون كلا من أهل الجنة والنار بسيماهم بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها كبياض الوجوه بالنسبة إلى أهل الجنة وسوادها بالنسبة إلى أهل النار .

ووزنه فعلى من سام إبله إذا أرسلها في المرعى معلمة أو من وسم على القلب كالجاه من الوجه فوزنه عقلى ويقال سيماء بالمد وسيمياء ككبرياء قال الشاعر :


له سيماء ما تشق على البصر



ومعرفتهم أن كذا علامة الجنة وكذا علامة النار تكون بالإلهام أو بتعليم الملائكة وهذا كما روي عن أبي مجلز رضي الله تعالى عنه قبل أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار واستظهره بعضهم إذ لا حاجة بعد الدخول للعلامة ويشعر كلام آخرين أنه بعده والباء للملابسة ونادوا أي رجال الأعراف أصحاب الجنة حين رأوهم وعرفوهم أن سلام عليكم بطريق الدعاء والتحية أو بطريق الإخبار بنجاتهم من المكاره لم يدخلوها حال من فاعل نادوا أو مفعوله .

وقوله سبحانه : وهم يطمعون (46) حال من فاعل يدخلوها أي نادوهم وهم لم يدخلوها حال كونهم [ ص: 125 ] طامعين في دخولها مترقبين له أي لم يدخلوها وهم في وقت عدم الدخول طامعون قاله بعضهم .

وفسر الطمع باليقين الحسن وأبو علي وبه فسر في قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي وفي الكشاف أن جملة لم يدخلوها .. إلخ . لا محل لها لأنها استئناف كأن سائلا سأل عن حال أصحاب الأعراف فقيل : لم يدخلوها وهم يطمعون وجوز أن يكون في محل الرفع صفة لرجال وضعف بالفصل .

التالي السابق


الخدمات العلمية