أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم الكلام فيه كالكلام في سابقه وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام من يشافههم من الكفرة بالكلمات الحمقاء بما حكي عنهم والإعراض عن مقابلتهم بمثل كلامهم كمال النصح والشفقة وهضم النفس وحسن المجادلة وفي حكاية ذلك تعليم للعباد كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم وفي الآية دلالة على جواز مدح الإنسان للحاجة إليه .
واذكروا إذ جعلكم خلفاء شروع في بيان ترتيب أحكام النصح والأمانة والإنذار وتفصيلها و ( إذ ) على ما يفهم من كلام البعض وصرح به آخرون ظرف منصوب بآلاء المحذوف هنا بقرينة ما بعده لتضمنه معنى الفعل واختار غير واحد تبعا
nindex.php?page=showalam&ids=14423للزمخشري أنه مفعول لاذكروا أي اذكروا هذا الوقت المشتمل على هذه النعم الجسام وتوجيه الأمر بالذكر إلى الوقت دون ما وقع فيه مع أنه المقصود بالذات للمبالغة في إيجاب ذكره ولأنه إذا استحضر الوقت كان هو حاضرا بتفاصيله وهذا مبني على الاتساع في الظرف أو أنه غير لازم للظرفية على خلاف المشهور عند النحويين والواو للعطف وما بعده قيل : معطوف على قوله تعالى :
اعبدوا ولا يخفى بعده .
وقال شيخ الإسلام : لعله معطوف على مقدر كأنه قيل : لا تعجبوا من ذلك أو تدبروا فيأمركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء
من بعد قوم نوح أي في مساكنهم أو في الأرض بأن جعلكم ملوكا فإن
شداد بن عاد ممن ملك معمورة الأرض فالإسناد على هذا مجاز وفي ذكر
نوح على ما قيل إشارة إلى رفع التعجب يعني هذا الذي جئت به ليس ببدع فاذكروا
نوحا وإرساله إلى قومه وإلى الوعيد والتهديد أي اذكروا إهلاك قومه لتكذيبهم رسول ربهم
وزادكم في الخلق أي الإبداع والتصوير أو في المخلوقين أي زادكم في الناس على أمثالكم
بسطة قوة وزيادة جسم قال
nindex.php?page=showalam&ids=15097الكلبي : كانت قامة الطويل منهم مائة ذراع وقامة القصير ستين ذراعا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13359ابن عساكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب أنه قال : كانت هامة الرجل منهم مثل القبة العظيمة وعينه يفرخ فيها السباع وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أنه قال : ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر ذراعا وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11958الباقر رضي الله تعالى عنه كانوا كأنهم النخل الطوال وكان الرجل منهم يأتي الجبل فيهدم منه بيده القطعة العظيمة .
[ ص: 157 ] وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة إن كان الرجل منهم ليتخذ المصراع من الحجارة لو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يقلوه وإن كان أحدهم ليدخل قدمه في الأرض فتدخل فيها .
وعن بعضهم أن أحدهم كان أطول من سائر الخلق بمقدار ما يمد الإنسان يده في رأسه باسطا لها فطول كل منهم قامة وبسطة وهذا أقرب عند ذوي العقول القصيرة عن إدراك طول يد القدرة .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11979إسحاق بن بشر وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن
هودا عليه السلام كان أصبحهم وجها وكان في مثل أجسامهم أبيض جعدا بادي العنفقة طويل اللحية صلى الله تعالى عليه وسلم ونصب
بسطة على أنه مفعول به للفعل قبله وقيل : تمييز و
في الخلق متعلق بالفعل وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء تعلقه بمحذوف وقع حالا من
بسطة فاذكروا آلاء الله أي نعمه سبحانه وتعالى وهي جمع إلي بكسر فسكون كحمل وأحمال أو ألي بضم فسكون كقفل وأقفال أو إلى بكسر ففتح مقصورا كمعى وأمعاء أو بفتحتين مقصورا كقفا وأقفاء وبهما ينشد قول
الأعشى .
أبيض يرهب الهزال ولا يقطع رحما ولا يخون إلا
وقيل : إن ما في البيت إلا المشددة لكنها خففت ومعناها العهد وفيه بعد وهذا تكرير للتذكير لزيادة التقرير وتعميم إثر تخصيص أي اذكروا الآلاء التي من جملتها ما تقدم
لعلكم تفلحون (69) أي لكي يفضي بكم ذكر النعم إلى شكرها الذي من جملته العمل بالأركان والطاعة المؤدي إلى النجاة من الكروب والفوز بالمطلوب وهذا لأن الفلاح لا يترتب على مجرد الذكر ومن الناس من فسر ذكر الآلاء بشكرها وأمر الترتب عليه ظاهر .