قال قد وقع عليكم أي وجب وثبت وأصل استعمال الوقوع في نزول الأجسام واستعماله هنا فيما ذكر مجازا من إطلاق السبب على المسبب ويجوز أن يكون في الكلام استعارة تبعية والمعنى قد نزل عليكم واختار بعضهم أن ( وقع ) بمعنى قضى وقدر لأن المقدرات تضاف إلى السماء وحرف الاستعلاء على ذلك ظاهر وفي الكشف أن الوقوع بمعنى الثبوت وحرف الاستعلاء إما لأنه ثبوت قوي آكد ما يكون وآجبه أو لأنه ثبوت حسي لأمر نازل من علو وعذاب الله تعالى موصوف بالنزول من السماء فتدبر والتعبير بالماضي لتنزيل المتوقع منزلة الواقع كما في قوله تعالى :
أتى أمر الله من ربكم أي من قبل مالك أمركم سبحانه وتعالى والجار والمجرور قيل : متعلق بمحذوف وقع حالا مما بعد والظاهر أنه متعلق بالفعل قبله وتقديم الظرف الأول عليه مع أن المبدأ متقدم على المنتهى كما قال شيخ الإسلام للمسارعة إلى بيان إصابة المكروه لهم وكذا تقديمها على الفاعل وهو قوله تعالى :
رجس مع ما فيه من التشويق إلى المؤخر ولأن فيه نوع طول بما عطف عليه من قوله تعالى :
وغضب فربما يخل تقديمهما بتجاوب النظم الكريم والرجس العذاب وهو بهذا المعنى في كل القرآن عند
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد من الارتجاس وهو والارتجاز بمعنى حتى قيل : إن أصله ذلك فأبدلت الزاي سينا كما أبدلت السين تاء في قوله .
ألا لحى الله بني السعلات عمرو بن يربوع شرار النات ليسوا بأعفاف ولا أكيات
فإنه أراد الناس وأكياس وأصل معناه الاضطراب ثم شاع فيما ذكر لاضطراب من حل به وعليه فالعطف في قوله .
[ ص: 159 ] إذا سنة كانت
بنجد محيطة وكان عليهم رجسها وعذابها
للتفسير والغضب عند كثير بمعنى إرادة الانتقام وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه فسر الرجس باللعنة والغضب بالعذاب وأنشد له البيت السابق وفيه خفاء والذاهبون إلى ما تقدم إنما يفسروه بالعذاب لئلا يتكرر مع ما قبله ولا يبعد أن يفسر الرجس بالعذاب والغضب باللعن والطرد على عكس ما نسب إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويكون في الكلام حينئذ إشارة إلى حالهم في الأولى والأخرى ويمكن إرجاع ما ذكره الكثير من المفسرين إلى هذا وإلا فالظاهر أنه لا لطافة في قولك : وقع عليهم عذاب وإرادة انتقام على ظاهر كلامهم وأيا ما كان فالتنوين للتفخيم والتهويل
أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم إنكار واستقباح لإنكارهم مجيئه عليه السلام داعيا لهم إلى عبادة الله تعالى وحده وترك ما كان يعبد آباؤهم من الأصنام .
والأسماء عبارة عن تلك الأصنام الباطلة وهذا كما يقال لما لا يليق ما هو إلا مجرد اسم والمعنى أتخاصمونني في مسميات وضعتم لها أسماء لا تليق بها فسميتموها آلهة من غير أن يكون فيها من مصداق الإلهية شيء ما لأن المستحق للمعبودية ليس إلا من أوجد الكل وهي بمعزل عن إيجاد ذرة وأنها لو استحقت لكان ذلك بجعله تعالى إما بإنزال آية أو نصب حجة وكلاهما مستحيل وذلك قوله تعالى :
ما نزل الله بها من سلطان أي حجة ودليل وحيث لم يكن ذلك في حيز الإمكان تحقق بطلان ما هم عليه والذم الذي يفهمه الكلام متوجه إلى التسمية الخالية عن المعنى المشحونة بمزيد الضلالة والغواية والافتراء العظيم وقيل : إنهم سموها خالقة ورازقة ومنزلة المطر ونحو ذلك والضمير المنصوب في
سميتموها راجع لأسماء وهو على ما قيل المفعول الأول والمفعول الثاني محذوف حسبما أشير إليه وقيل : المفعول الأول محذوف والضمير هو المفعول الثاني والمراد سميتم أصنامكم بها .
وقيل : المراد من سميتموها وصفتموها فلا حاجة له إلى مفعولين وحمل الآية على ما ذكر أولا في تفسيرها هو الذي اختاره جمع وجوز بعضهم أن يكون الكلام على حذف مضاف أي أتجادلونني في ذوي أسماء .
وادعى آخرون جوازا أن يكون فيه صنعة الاستخدام واستدل بالآية من قال إن الاسم عين المسمى ومن قال : إن اللغات توقيفية إذ لو لم تكن كذلك لم يتوجه الإنكار والإبطال بأنها أسماء مخترعة لم ينزل الله تعالى بها سلطانا ولا يخفى عليك ما في ذلك من الضعف
فانتظروا نزول العذاب الذي طلبتموه بقولكم
فأتنا بما تعدنا لما وضح الحق وأنتم مصرون على العناد والجهالة
إني معكم من المنتظرين (71) لنزوله بكم والفاء في ( فانتظروا ) للترتيب على ما تقدم.