ولو أن أهل القرى أي القرى المهلكة المدلول عليها بقوله سبحانه:
في قرية فاللام للعهد الذكري ،والقرية وإن كانت مفردة لكنها في سياق النفي فتساوي الجمع، وجوز أن تكون اللام للعهد الخارجي إشارة إلى مكة وما حولها. وتعقب ذلك بأنه غير ظاهر من السياق، ووجه بأنه تعالى لما أخبر عن القرى الهالكة بتكذيب الرسل وأنهم لو آمنوا سلموا وغنموا انتقل إلى إنذار أهل
مكة وما حولها مما وقع بالأمم والقرى السابقة.
وجوز في الكشاف أن تكون للجنس، والظاهر أن المراد حينئذ ما يتناول القرى المرسل إلى أهلها من المذكورة وغيرها لا ما لا يتناول قرى أرسل إليها نبي وأخذ أهلها بما أخذ، وغيرها كما قيل لإباء ظاهر ما في حيز الاستدراك الآتي عنه،
آمنوا أي: بما أنزل على أنبيائهم،
واتقوا أي: ما حرم الله تعالى عليهم كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة، ويدخل في ذلك ما أرادوه من كلمتهم السابقة.
لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض أي: ليسرنا عليهم الخير من كل جانب، وقيل: المراد بالبركات السماوية المطر، وبالبركات الأرضية النبات. وأيا ما كان ففي ( فتحنا ) استعارة تبعية. ووجه الشبه بين المستعار منه والمستعار له الذي أشرنا إليه سهولة التناول، ويجوز أن يكون هناك مجاز مرسل، والعلاقة اللزوم، ويمكن أن يتكلف لتحصيل الاستعارة التمثيلية، وفي الآية على ما قيل إشكال؛ وهو أنه يفهم بحسب الظاهر منها أنه لم يفتح عليهم بركات من السماء والأرض، وفي الأنعام:
فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء وهو يدل على أنه فتح عليهم بركات من السماء والأرض؛ وهو معنى قوله سبحانه:
أبواب كل شيء لأن المراد منها الخصب والرخاء والصحة والعافية لمقابلة أخذناهم بالبأساء والضراء، وحمل فتح البركات على إدامته أو زيادته عدول عن الظاهر وغير ملائم لتفسيرهم الفتح بتيسير الخير ولا المطر والنبات. وأجاب عنه
الخيالي بأنه ينبغي أن يراد بالبركات غير الحسنة أو يراد آمنوا من أول الأمر فنجوا من البأساء والضراء كما هو الظاهر، والمراد
[ ص: 11 ] في سورة الأنعام بالفتح ما أريد بالحسنة هاهنا فلا يتوهم الإشكال. انتهى.
وأنت خبير بأن إرادة آمنوا من أول الأمر إلى آخره غير ظاهرة، بل الظاهر أنهم لو أنهم آمنوا بعد أن ابتلوا ليسرنا عليهم ما يسرنا مكان ما أصابهم من فنون العقوبات التي بعضها من السماء كإمطار الحجارة وبعضها من الأرض كالرجفة، وبهذا ينحل الإشكال؛ لأن آية الأنعام لا تدل على أنه فتح لهم هذا الفتح كما هو ظاهر لتاليها، وما ذكر من أن المراد بالفتح هناك ما أريد بالحسنة هاهنا إن كان المراد به أن الفتح هناك واقع. وقع إعطاء الحسنة بدل السيئة هنا حيث كان ذكر كل منهما بعد ذكر الأخذ بالبأساء والضراء وبعده الأخذ بغتة، فربما يكون له وجه لكنه وحده لا يجدي نفعا، وإن كان المراد به أن مدلول ذلك العام المراد به التكثير هو مدلول الحسنة فلا يخفى ما فيه فتدبر، وقيل: المراد بالبركات السماوية والأرضية الأشياء التي تحمد عواقبها ويسعد في الدارين صاحبها. وقد جاءت البركة بمعنى السعادة في كلامهم فلتحمل هنا على الكامل من ذلك الجنس ولا يفتح ذلك إلا للمؤمن بخلاف نحو المطر والنبات والصحة والعافية، فإنه يفتح له وللكافر أيضا استدراجا ومكرا، ويتعين هذا الحمل على ما قيل إذا أريد من القرى ما يتناول قرى أرسل إليها نبي وأخذ أهلها بما أخذ وغيرها، وقيل: البركات السماوية إجابة الدعاء، والأرضية قضاء الحوائج فليفهم.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر (لفتحنا) بالتشديد،
ولكن كذبوا أي: ولكن لم يؤمنوا ولم يتقوا، وقد اكتفى بذكر الأول لاستلزامه الثاني وللإشارة إلى أنه أعظم الأمرين
فأخذناهم بما كانوا يكسبون من أنواع الكفر والمعاصي التي من جملتها قولهم السابق، والظاهر أن هذا الأخذ والمتقدم في قوله سبحانه:
فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون واحد وليس عبارة عن الجدب والقحط كما قيل: لأنهما قد زالا بتبديل الحسنة مكان السيئة، وحمل أحد الأخذين على الأخذ الأخروي، والآخر على الدنيوي بعيد، ومن ذهب إلى حمل أل على الجنس على الوجه الأخير فيه يلزمه أن يحمل كذبوا فأخذناهم على وقوع التكذيب والأخذ فيما بينهم، ولا يخفى بعده