لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بليلى ولا أرسلتهم برسول
خلاف الظاهر، من عند الله متعلق (بجاء)، أو بمحذوف وقع صفة للرسول، لإفادة مزيد تعظيمه، إذ قدر الرسول على قدر المرسل، مصدق لما معهم أي من التوراة من حيث إنه صلى الله تعالى عليه وسلم جاء على الوصف الذي ذكر فيها، أو أخبر بأنها كلام الله تعالى المنزل على نبيه موسى عليه السلام، أو صدق ما فيها من قواعد التوحيد، وأصول الدين، وأخبار الأمم، والمواعظ والحكم، أو أظهر ما سألوه عنه من غوامضها، وحمل بعضهم (ما) على العموم، لتشمل جميع الكتب الإلهية التي نزلت قبل، وقرأ (مصدقا) بالنصب على الحال من النكرة الموصوفة، ابن أبي عبلة نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب أي التوراة وهم اليهود الذين كانوا في عهده صلى الله تعالى عليه وسلم، لا الذين كانوا في عهد سليمان عليه السلام، كما توهمه بعضهم من اللحاق، لأن النبذ عند مجيء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، لا يتصور منهم، وإفراد هذا النبذ بالذكر مع اندراجه في قوله تعالى : أوكلما عاهدوا إلخ، لأنه معظم جناياتهم، ولأنه تمهيد لما يأتي بعد، والمراد بالإيتاء إما إيتاء علمها، فالموصول عبارة عن علمائهم، وإما مجرد إنزالها عليهم، فهو عبارة عن الكل، ولم يقل : فريق منهم، إيذانا بكمال التنافي بين ما ثبت لهم في حيز الصلة، وبين ما صدر عنهم من النبذ، كتاب الله مفعول (نبذ)، والمراد به التوراة لما روي عن أنه قال : لما جاءهم السدي محمد صلى الله تعالى عليه وسلم عارضوه بالتوراة، فاتفقت التوراة، والفرقان، فنبذوا التوراة، وأخذوا بكتاب آصف، وسحر هاروت وماروت، فلم توافق القرآن، فهذا قوله تعالى : ولما جاءهم رسول إلخ، ويؤيده أن النبذ يقتضي سابقة الأخذ في الجملة، وهو متحقق بالنسبة إليها، وأن المعرفة إذا أعيدت معرفة كان الثاني عين الأول، وأن مذمتهم في أنهم نبذوا الكتاب الذي أوتوه، واعترفوا بحقيته أشد، فإنه يفيد أنه كان مجرد مكابرة وعناد، ومعنى نبذهم لها إطراح أحكامها، أو ما فيها من صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل : القرآن، وأيده بأن الكلام مع الرسول، فيصير المعنى أنه يصدق ما بأيديهم من التوراة، وهم بالعكس أبو حيان [ ص: 337 ] يكذبون ما جاء به من القرآن، ويتركونه، ويؤمنون به، بعد ما لزمهم تلقيه بالقبول، وقيل : الإنجيل، وليس بشيء، وأضاف الكتاب إلى الاسم الكريم تعظيما له، وتهويلا لما اجترؤوا عليه من الكفر به.تميم بن مر لا تكونن حاجتي بظهر ولا يعيى عليك جوابها