وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم شروع في بيان أحوال منافقي الأعراب إثر بيان أحوال منافقي أهل
المدينة ، والمعذرون من عذر في الأمر إذا قصر فيه وتوانى ولم يجد ، وحقيقته أن يوهم أن له عذرا فيما يفعل ولا عذر له ، ويحتمل أن يكون من اعتذر والأصل المعتذرون فأدغمت التاء في الذال بعد نقل حركتها إلى العين ، ويجوز كسرها لالتقاء الساكنين وضمها إتباعا للميم لكن لم يقرأ بهما ، وقرأ
يعقوب ( المعذرون ) بالتخفيف وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فهو من أعذر إذا كان له عذر ، وعن
مسلمة أنه قرأ ( المعذرون ) بتشديد العين والذال من تعذر بمعنى اعتذر .
وتعقب ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان فقال : هذه القراءة إما غلط من القارئ أو عليه لأن التاء لا يجوز إدغامها في العين لتضادهما ، وأما تنزيل التضاد منزلة التناسب فلم يقله أحد من النحاة ولا القراء فالاشتغال بمثله عيب ، ثم إن هؤلاء الجائين كاذبون على أول احتمالي القراءة الأولى ، ويحتمل أن يكونوا كاذبين وأن يكونوا صادقين على الثاني منهما وكذا على القراءة الأخيرة ، وصادقون على القراءة الثانية .
واختلفوا في المراد بهم فعن
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك أنهم رهط عامر بن الطفيل جاءوا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقالوا : يا نبي الله إنا إن غزونا معك أغارت طي على أهالينا ومواشينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أنبأني الله من أخباركم وسيغني الله سبحانه عنكم .
وقيل : هم
أسد وغطفان استأذنوا في التخلف معتذرين بالجهد وكثرة العيال ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11868أبو الشيخ عن
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق أنه قال : ذكر لي أنهم نفر من
بني غفار ، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم أهل العذر ولم يبين من هم; ومما ذكرنا يعلم وقوع الاختلاف في أن هؤلاء الجائين هل كانوا صادقين في الاعتذار أم لا ، وعلى القول بصدقهم يكون المراد بالموصول في قوله سبحانه :
وقعد الذين كذبوا الله ورسوله غيرهم وهم أناس من الأعراب أيضا منافقون والأولون لا نفاق فيهم ، وعلى القول بكذبهم يكون المراد به الأولين ، والعدول عن الإضمار إلى الإظهار إظهار لذمهم بعنوان الصلة ، والكذب على الأول بادعاء الإيمان وعلى الثاني بالاعتذار ، ولعل
[ ص: 158 ] القعود مختلف أيضا ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي ( كذبوا ) بالتشديد
سيصيب الذين كفروا منهم أي : من الأعراب مطلقا وهم منافقوهم أو من المعتذرين ، ووجه التبعيض أن منهم من اعتذر لكسله لا لكفره أي سيصيب المعتذرين لكفرهم
عذاب أليم وهو عذاب النار في الآخرة ولا ينافي استحقاق من تخلف لكسل ، ذلك عندنا لعدم قولنا بالمفهوم ومن قال به فسر العذاب الأليم بمجموع القتل والنار، والأول منتف في المؤمن المتخلف للكسل فينتفي المجموع ، وقيل : المراد بالموصول المصرون على الكفر .