وإذا ما أنزلت سورة بيان لأحوالهم عند نزولها وهم في محفل تبليغ الوحي كما أن الأول بيان لمقالاتهم وهم غائبون عنه
نظر بعضهم إلى بعض ليتواطئوا على الهرب كراهة سماعها قائلين إشارة:
هل يراكم من أحد أي هل يراكم أحد من المسلمين إذا قمتم من المجلس أو تغامزوا بالعيون إنكارا وسخرية بها قائلين: هل يراكم أحد لننصرف مظهرين أنهم لا يصطبرون على استماعها ويغلب عليهم الضحك فيفتضحون، والسورة على هذا مطلقة وقيل: إن نظر بعضهم إلى بعض وتغامزهم كان غيظا لما في السورة من مخازيهم وبيان قبائحهم فالمراد بالسورة سورة مشتملة على ذلك والإطلاق هو الظاهر وأيا ما كان فلا بد من تقدير القول قبل الاستفهام ليرتبط الكلام، فإن قدر اسما كان نصبا على الحال كما أشرنا إليه وإن قدر فعلا كانت الجملة في موضع الحال أيضا ويجوز جعلها مستأنفة وإيراد ضمير الخطاب لبعث المخاطبين على الحزم فإن المرء بشأنه أكثر اهتماما منه في شأن أصحابه كما في قوله تعالى: وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا
ثم انصرفوا عطف على
نظر بعضهم والتراخي باعتبار وجود الفرصة والوقوف على عدم رؤية أحد من المؤمنين، أي ثم انصرفوا جميعا عن محفل الوحي لعدم تحملهم سماع ذلك لشدة كراهتهم أو مخافة الفضيحة بغلبة الضحك أو الاطلاع على تغامزهم أو انصرفوا عن المجلس بسبب الغيظ وقيل: المراد انصرافهم عن الهداية والأول أظهر
(صرف الله قلوبهم عن الإيمان) حسب انصرافهم عن ذلك المجلس والجملة تحتمل الإخبار والدعاء واختار الثاني
أبو مسلم وغيره من
المعتزلة ودعاؤه تعالى على عباده وعيد لهم وإعلام بلحوق العذاب بهم، وقوله سبحانه:
[ ص: 52 ] بأنهم قيل: متعلق بصرف على الاحتمال الأول وبانصرفوا على الثاني والباء للسببية أي بسبب أنهم
قوم لا يفقهون 127 لسوء فهمهم أو لعدم تدبرهم فهم إما حمقى أو غافلون