ويوم نحشرهم كلام مستأنف مسوق لبيان بعض آخر من أحوالهم الفظيعة وتأخيره في الذكر مع تقدمه في الوجود على بعض أحوالهم المحكية سابقا كما قال بعض المحققين للإيذان باستقلال كل من السابق واللاحق للاعتبار ولو روعي الترتيب الخارجي لعد الكل شيئا واحدا ولذلك فصل عما قبله وزعم
الطبرسي أنه تعالى لما قدم ذكر الجزاء بين بهذا وقت ذلك وعليه فالآية متصلة بما ذكر آنفا لكن لا يخفى أن ذلك لم يخرج مخرج البيان وأولى منه أن يقال: وجه اتصاله بما قبله أن فيه تأكيدا لقوله سبحانه:
ما لهم من الله من عاصم من حيث دلالته على عدم نفع الشركاء لهم . ويوم منصوب بفعل مقدر كذكرهم وخوفهم وضمير
نحشرهم لكلا الفريقين من الذين أحسنوا الحسنى والذين كسبوا السيئات لأنه المتبادر من قوله تعالى:
جميعا ومن أفراد الفريق الثاني بالذكر في قوله سبحانه:
ثم نقول للذين أشركوا أي للمشركين من بينهم ولأن توبيخهم وتهديدهم على رؤوس الأشهاد أفظع والإخبار بحشر الكل في تهويل اليوم أدخل وإلى هذا ذهب القاضي
nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي وغيره وكون مراده بالفريقين فريقي الكفار والمشركين خلاف الظاهر جدا
وقيل: الضمير للفريق الثاني خاصة فيكون الذين أشركوا من وضع الموصول موضع الضمير والنكتة في تخصيص وصف إشراكهم في حيز الصلة من بين سائر ما اكتسبوه من السيئات ابتناء التوبيخ والتقريع عليه مع ما فيه من الإيذان بكونه معظم جناياتهم وعمدة سيئاتهم وهو السر في الإظهار في مقام الإضمار على القول الأخير
مكانكم ظرف متعلق بفعل حذف فسد هو مسده وهو مضاف إلى الكاف والميم علامة الجمع أي الزموا مكانكم والمراد انتظروا حتى تنظروا ما يفعل بكم وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبي علي الفارسي أن مكان اسم فعل وحركته حركة بناء وهل هو اسم فعل لالزم أو لاثبت ظاهر كلام بعضهم الأول والمنقول عن شرح التسهيل الثاني لأنه على الأول يلزم أن يكون متعديا كالزم مع أنه لازم وأجيب بمنع اللزوم وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14486السفاقسي: في كلام
الجوهري ما يدل على أن الزم يكون لازما ومتعديا فلعل ما هو اسم له اللازم: وذكر الكوفيون
[ ص: 107 ] أنه يكون متعديا وسمعوا من
العرب : مكانك زيدا أي انتظره واختار
الدماميني في شرح التسهيل عدم كونه اسم فعل فقال: لا أدري ما الداعي إلى جعل هذا الظرف اسم فعل إما لازما وإما متعديا وهلا جعلوه ظرفا على بابه ولم يخرجوه عن أصله أي اثبت مكانك أو انتظر مكانك وإنما يحسن دعوى اسم الفعل حيث لا يمكن الجمع بين ذلك الاسم وذلك الفعل نحو صه وعليك وإليك وأما إذا أمكن فلا كوراءك وأمامك وفيه منع ظاهر
وقوله تعالى:
أنتم توكيد للضمير المنتقل إلى الظرف من عامله على القول الأول وللضمير المستتر في اسم الفعل على القول الثاني وقوله سبحانه:
وشركاؤكم عطف على ذلك وقيل: إن (أنتم) مبتدأ خبره محذوف أي مهانون أو مجزيون وهو خلاف الظاهر مع ما فيه من تفكيك النظم وقيل: ولأنه يأباه قراءة (وشركاءكم) بالنصب إذ يصير حينئذ مثل: كل رجل وضيعته ومثله لا يصح فيه ذلك لعدم ما يكون عاملا فيه والعامل على التوجيه الأول ظاهر لمكان
مكانكم فزيلنا بينهم أي ففرقنا وهو من زلت الشيء عن مكانه أزيله أي أزلته والتضعيف للتكثير لا للتعدية وهو يائي ووزنه فعل بدليل زايل وقد قرئ به وهو بمعناه نحو كلمته وكالمته وصعر خده وصاعر خده
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء : إنه واوي لأنه من زال يزول وإنما قلبت الواو ياء لأنه فيعل والأول أصح لما علمت ولأن مصدره التزييل لا الزيولة مع أن فعل أكثر من فيعل ونصب – بين - على الظرفية لا على أنه مفعول به كما توهم والمراد بالتفريق قطع الإقران والوصل التي كانت بينهم وبين الشركاء في الدنيا وقيل: التفريق الجسماني وظاهر النظم الجليل لا يساعده والعطف على
نقول وإيثار صيغة الماضي للدلالة على التحقق لزيادة التوبيخ والتحسير والفاء للدلالة على وقوع التزييل ومباديه عقيب الخطاب من غير مهملة إيذانا بكمال رخاوة ما بين الفريقين من العلاقة والوصلة وقوله سبحانه:
وقال شركاؤهم عطف على ما قبله وجوز أن يكون في موضع الحال بتقدير قد أو بدونها على الخلاف والإضافة باعتبار أن الكفار هم الذين اتخذوهم شركاء لله سبحانه وتعالى
وقيل: لأنهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم فصيروهم شركاء لأنفسهم في ذلك والمراد بهؤلاء الشركاء قيل: الأصنام فإن أهل
مكة إنما كانوا يعبدونها وهم المعنيون بأكثر هذه الآيات ونسبة القول لها غير بعيد من قدرته سبحانه فينطقها الله الذي أنطق كل شيء في ذلك الموقف فتقول لهم
ما كنتم إيانا تعبدون 28 والمراد من ذلك تبريهم من عبادتهم وأنهم إنما عبدوا في الحقيقة أهواءهم الداعية لهم وما أعظم هذا مكان الشفاعة التي كانوا يتوقعونها منهم وقيل: المراد بهم الملائكة
والمسيح عليهم السلام لقوله تعالى:
ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون وقوله سبحانه:
أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين الآية والمراد من ذلك القول ما أريد منه أولا أيضا لأن نفي العبادة لا يصح لثبوتها في الواقع والكذب لا يقع في القيامة ممن كان وقيل: إن قول الشركاء مجرى على حقيقته بناء على أن ذلك الموقف موقف الدهشة والحيرة فذلك الكذب يكون جاريا مجرى كذب الصبيان والمجانين المدهوشين ويمكن أن
[ ص: 108 ] يقال أيضا: إنهم ما أقاموا لأعمال الكفار وزنا وجعلوها لبطلانها كالعدم فلذا نفوا عبادتهم إياهم أو يقال: إن المشركين لما تخيلوا فيما عبدوه أوصافا كثيرة غير موجودة فيه في نفس الأمر كانوا في الحقيقة إنما عبدوا ذواتا موصوفة بتلك الصفات ولما كانت ذوات الشركاء خالية عن تلك الصفات صدق أن يقال: إن المشركين ما عبدوا الشركاء وهذا أولى من الأولين بل لا يكاد يلتفت إليهما وكأن حاصل المعنى عليه أنكم عبدتم من زعمتم أنه يقدر على الشفاعة لكم وتخليصكم من العذاب وأنه موصوف بكيت وكيت فاطلبوه فإنا لسنا كذلك والمراد من ذلك قطع عرى أطماعهم وإيقاعهم في اليأس الكلي من حصول ما كانوا يرجونه ويعتقدونه فيهم ولعل اليأس كان حاصلا لهم من حين الموت والابتلاء بالعذاب ولكن يحصل بما ذكر مرتبة فوق تلك المرتبة وقيل: المراد بهم الشياطين وقطع الوصل عليه من الجانبين لا من جانب العبدة فقط كما يقتضيه ما قبل والمراد من قولهم ذلك على طرز ما تقدم وأورد على القول بأن المراد الملائكة والمسيح عليهم السلام بأنه لا يناسب قوله سبحانه:
مكانكم أنتم وشركاؤكم حيث إن المراد منه الوعيد والتهديد وظاهر العطف انصراف ذلك إلى الشركاء أيضا وتهديد أولئك الكرام عليهم الصلاة والسلام مما لا يكاد يقدم على القول به
واعترض بأن هذا مشترك الإلزام فإنه يرد على القول الأول أيضا إذ لا معنى للوعيد والتهديد في حق الأصنام مع عدم صدور شيء منها يوجب ذلك ولا مخلص إلا بالتزام أن التهديد والوعيد للمخاطبين فقط أو للمجموع باعتبارهم
وأجيب بجواز كون تهديد الأصنام نظير إدخالها النار مع عبدتها كما يدل عليه قوله تعالى:
إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وكذا قوله سبحانه:
فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة على ما عليه جمع من المفسرين ودعوى الفرق بين التهديد والإدخال في النار تحتاج إلى دليل . نعم قالوا: يجب على القول بأن المراد الملائكة عليهم السلام أن تحمل الغفلة في قوله سبحانه: