قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق احتجاج آخر على ما ذكر جيء به إلزاما غب إلزام وإفحاما إثر إفحام . وفصله إيذانا بفضله واستقلاله في إثبات المطلوب كما في سابقه
والمراد هل من يهدي إلى الحق بإعطاء العقل وبعثة الرسل وإنزال الكتب والتوفيق إلى النظر والتدبر بما نصب في الآفاق والأنفس إلى غير ذلك آلله سبحانه أم الشركاء؟ ومنهم من يبقي الكلام على ما يتبادر منه كما سمعت فيما قبل ومن الناس من خصص طريق الهداية، والتعميم أوفق بما يقتضيه المقام من كمال التبكيت والإلزام كما لا يخفى
قل الله يهدي للحق أي هو سبحانه يهدي له دون غيره جل شأنه والكلام في
[ ص: 114 ] الأمر على طرز ما سبق وفعل الهداية يتعدى إلى اثنين ثانيهما بواسطة وهي إلى أو اللام وقد يتعدى لهما بنفسه وهو لغة على ما قيل كاستعماله قاصرا بمعنى اهتدى،
nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد أنكر هذا حيث قال: إن هدى بمعنى اهتدى لا يعرف لكن لم يتابعه على ذلك الحفاظ كالفراء وغيره وقد جمع هنا بين صلتيه إلى اللام تفننا وإشارة بإلى إلى معنى الانتهاء وباللام للدلالة على أن المنتهى غاية للهداية وأنها لم تتوجه إليه على سبيل الاتفاق بل على قصد من الفعل وجعله ثمرة له ولذلك عدي بها ما أسند إليه سبحانه كما ترى وأما قوله تعالى:
أفمن يهدي إلى الحق فالمقصود به التعميم وإن كان الفاعل في الواقع هو الله سبحانه جل شأنه
وقيل: اللام هنا للاختصاص والجمهور على الأول والمفعول محذوف في المواضع الثلاثة وجواز اللزوم في الأول مما لا يلتفت إليه ويقدر فيها على طرز واحد كالشخص ونحوه وقيل: التقدير قل هل من شركائكم من يهدي غيره إلى الحق قل الله يهدي من يشاء إلى الحق أفمن يهدي غيره إلى الحق (أحق أن يتبع أمن لا يهدي) بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدال وهي قراءة
يعقوب وحفص وأصله يهتدي وكسر الهاء لالتقاء الساكنين وقرأ
حماد ويحيى عن
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم بكسر الياء والهاء والتشديد وكسرت الياء اتباعا للهاء وكان
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه يرى جواز كسر حرف المضارعة لغة إلا الياء لثقل الكسرة عليها وهذه القراءة حجة عليه وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير nindex.php?page=showalam&ids=17274وورش عن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر بفتح الياء والهاء والتشديد والأصل يهتدي فنقلت فتحة التاء إلى الهاء قبلها ثم قلبت دالا لقرب مخرجهما وأدغمت فيها وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو وقالون عن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع كذلك لكنه اختلس فتحة الهاء تنبيها على أن الحركة فيها عارضة وفي بعض الطرق عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو أنه قرأ بالإدغام المجرد عن نقل الحركة إلى ما قبلها أو التحريك بالكسر لالتقاء الساكنين واستشكل ذلك بأن فيه الجمع بين الساكنين ولذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد : من رام هذا لا بد أن يحرك حركة خفيفة قال
ابن النحاس: إذ بدونه لا يمكن النطق وذكر القاضي أنه لم يبال بالتقاء الساكنين لأن المدغم في حكم المتحرك وأنكر بعضهم هذه القراءة وادعى أنه إنما قرأ بالاختلاس والحق أنه قرأ بهما وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع أيضا وتفصيله في لطائف الإشارات والطيبة
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي (يهدي) كيرمي وهو إما لازم بمعنى يهتدي كما هو أحد استعمالات فعل الهداية على المعول عليه كما علمت آنفا أو متعد أي لا يهدى غيره ورجح هذا بأنه الأوفق بما قبل فإن المفهوم منه نفي الهداية لا الاهتداء وقد يرجح الأول بأن فيه توافق القراءات معنى وتوافقها خير من تخالفها وإنما نفي الاهتداء مع أن المفهوم مما سبق نفي الهداية كما ذكر لما أن نفيها مستتبع لنفيه غالبا فإن من اهتدى إلى الحق لا يخلو عن هداية غيره في الجملة وأدناها كونه قدوة له بأن يراه فيسلك مسلكه، والفاء لترتيب الاستفهام على ما سبق كأنه قيل: إذا كان الأمر كذلك فأنا أسألكم أمن يهدي إلى الحق إلخ والمقصود من ذلك الإلزام والهمزة على هذا متأخرة في الاعتبار وإنما قدمت في الذكر لإظهار عراقتها في اقتضاء الصدارة كما هو المشهور عند الجمهور
وصيغة التفضيل إما على حقيقتها والمفضل عليه محذوف كما اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي والتقدير أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع ممن لا يهدي أم من لا يهدي أحق وإما بمعنى حقيق كما اختاره
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان وهو خبر عن الموصول والفصل بالخبر بين أم وما عطفت عليه هو الأفصح كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14529السمين، وقد لا يفصل كما في قوله سبحانه:
[ ص: 115 ] أقريب أم بعيد ما توعدون والإظهار في موضع الإضمار لزيادة التقرير و
أن يتبع في حيز النصب أو الجر بعد حذف الجار على الخلاف المعروف في مثله أو بأن يتبع
إلا أن يهدى استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا يهتدي أو لا يهدي غيره في حال من الأحوال إلا حال هدايته تعالى له إلى الاهتداء أو إلى هداية الغير وهذا على ما قاله جمع حال أشراف شركائهم
كالمسيح وعزير والملائكة عليهم السلام دون الأوثان لأن الاهتداء الذي هو قبول الهداية وهداية الغير مختصان بذوي العلم فلا يتصور فيها وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ وغيرهما أن المراد الأوثان ووجه ذلك بأنه جار على تنزيلهم لها منزلة ذوي العلم وقيل: المعنى أم من لا يهتدي من الأوثان إلى مكان فينقل إليه إلا أن ينقل إليه أو إلا أن ينقله الله تعالى من حاله إلى أن يجعله حيوانا مكلفا فيهديه وهو من قولك: هديت المرأة إلى زوجها وقد هديت إليه وقيل: الآية الأولى
قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده في الأصنام أو فيما يعمهم ونحو الملائكة عليهم السلام وهذه في رؤساء الضلالة كالأحبار والرهبان الذين اتخذوا أربابا من دون الله وليس بالبعيد فيما أرى ويؤيده التعبير بالاتباع فإنه يقتضي العمل بأوامرهم والاجتناب عن نواهيهم وهذا لا يعقل في الأوثان إلا بتكلف وهو وإن عقل في أشراف شركائكم لكنهم لا يدعون إلا إلى خير واتباعهم في ذلك لا ينعى على أحدهم اللهم إلا أن يقال: إن المشركين تقولوا عليهم أوامر ونواهي فنعى عليهم اتباعهم لهم في ذلك وعبر بالاتباع ولم يعبر بالعبادة بأن يقال: أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يعبد أم من لا يهدي إلا أن يهدى مع أن الآية متضمنة إبطال صحة عبادتهم من حيث إنهم لا يهدون وأدنى مراتب العبودية هداية المعبود لعبدته إلى ما فيه صلاح أمرهم مبالغة في تفظيع حال عبادتهم لأنه إذا لم يحسن الاتباع لم تحسن العبادة بالطريق الأولى وإذا قبح حال ذاك فحال هذه أقبح والله تعالى أعلم وقرئ إلا أن (يهدى) مجهولا مشددا دلالة على المبالغة في الهداية
فما لكم أي أي شيء لكم في اتخاذ هؤلاء العاجزين شركاء لله سبحانه وتعالى والكلام مبتدأ وخبر والاستفهام للإنكار والتعجب
وعن بعض النحاة أن مثل هذا التركيب لا يتم بدون حال بعده نحو قوله تعالى:
فما لهم عن التذكرة معرضين فلعل الحال هنا محذوف لظهوره كأنه قيل: فما لكم متخذين هؤلاء شركاء ولا يصح أن يكون قوله عز وجل:
كيف تحكمون 35 في موضع الحال لأن الجملة الاستفهامية لا تقع حالا بل هو استفهام آخر للإنكار والتعجب أيضا أي كيف تحكمون بالباطل الذي يأباه صريح العقل ويحكم ببطلانه من اتخاذ الشركاء لله جل وعلا والفاء لترتيب الإنكار على ما ظهر من وجوب اتباع