فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك أي في شك ما يسير والخطاب قيل: له صلى الله تعالى عليه وسلم والمراد إن كنت في ذلك على سبيل الفرض والتقدير لأن الشك لا يتصور منه عليه الصلاة والسلام لانكشاف الغطاء له ولذا عبر بإن التي تستعمل غالبا في ما لا تحقق له حتى تستعمل في المستحيل عقلا وعادة
[ ص: 190 ] كما في قوله سبحانه:
قل إن كان للرحمن ولد وقوله تعالى:
فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض وصدق الشرطية لا يتوقف على وقوعها كما هو ظاهر والمراد بالموصول القصص أي إن كنت في شك من القصص المنزلة إليك التي من جملتها قصة
فرعون وقومه وأخبار بني إسرائيل
فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك فإن ذلك محقق عندهم ثابت في كتبهم حسبما أنزلناه إليك، وخصت القصص بالذكر لأن الأحكام المنزلة إليه عليه الصلاة والسلام ناسخة لأحكامهم مخالفة لها فلا يتصور سؤالهم عنها والمراد بالكتاب جنسه فيشمل التوراة والإنجيل وهو المروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويؤيده أنه قرئ (الكتب) بالجمع وفسر الموصول بمن لم يؤمن من أهل الكتاب لأن إخبارهم بما يوافق ما أنزل المترتب على السوال أجدى في المقصود وفسره بعضهم بالمومنين منهم
nindex.php?page=showalam&ids=106كعبد الله بن سلام وتميم الداري ونسب ذلك إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد
وتعقب بأن ابن سلام وغيره إنما أسلموا
بالمدينة وهذه السورة مكية وينبغي أن يكون المراد الاستدلال على حقية المنزل والاستشهاد بما في الكتب المتقدمة على ما ذكر وأن القرآن مصدق لها ومحصل ذلك أن الفائدة دفع الشك إن طرأ لأحد غيره صلى الله تعالى عليه وسلم بالبرهان أو وصف أهل الكتاب بالرسوخ في العلم بصحة نبوته صلى الله تعالى عليه وسلم وتوبيخهم على ترك الإيمان أو تهييج الرسول عليه الصلاة والسلام وزيادة تثبيته وليس الغرض إمكان وقوع الشك له صلى الله تعالى عليه وسلم أصلا ولذلك قال عليه الصلاة والسلام حين جاءته الآية على ما أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : لا أشك ولا أسأل
وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج أن (إن) نافية وقوله سبحانه:
فاسأل جواب الشرط مقدر أي ما كنت في شك مما أنزلنا إليك فإن أردت أن تزداد يقينا فاسأل وهو خلاف الظاهر وفيما ذكر غنى عنه ومثله ما قيل: إن الشك بمعنى الضيق والشدة بما يعاينه صلى الله تعالى عليه وسلم من تعنت قومه وأذاهم أي إن ضقت ذرعا بما تلقى من أذى قومك وتعنتهم فاسأل أهل الكتاب كيف صبر الأنبياء عليهم السلام على أذى قومهم وتعنتهم فاصبر كذلك بل هو أبعد جدا من ذلك وقيل: الخطاب له صلى الله تعالى عليه وسلم والمراد به أمته أو لكل من يسمع أي إن كنت أيها السامع في شك مما أنزلنا على لسان نبينا إليك فاسأل (فأنزلنا إليك) على هذا نظير قوله سبحانه:
وأنزلنا إليكم نورا مبينا وفي جعل القراءة صلة الموصول إشارة إلى أن الجواب لا يتوقف على أكثر منها وفي الآية تنبيه على أن من خالجته شبهة في الدين ينبغي له مراجعة من يزيلها من أهل العلم بل المسارعة إلى ذلك حسبما تدل عليه الفاء الجزائية بناء على أنها تفيد التعقيب
لقد جاءك الحق الواضح الذي لا محيد عنه ولا ريب في حقيته
من ربك القائم بما يصلح شأنك
فلا تكونن من الممترين 94 أي بالتزلزل عما أنت عليه من الحزم واليقين ودم على ذلك كما كنت من قبل والامتراء الشك والتردد وهو أخف من التكذيب فلذا ذكر أولا