وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن إقناط له عليه السلام من إيمانهم وإعلام بأنه لم يبق فيهم من يتوقع إيمانه. أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11979إسحاق بن بشر nindex.php?page=showalam&ids=13359وابن عساكر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: إن
نوحا عليه السلام كان يضرب ثم يلف في لبد فيلقى في بيته يرون أنه قد مات ثم يخرج فيدعوهم، واتفق أن جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصا فقال: يا بني انظر هذا الشيخ لا يغرنك، قال: يا أبت أمكني من العصا فأخذ العصا ثم قال: ضعني على الأرض فوضعه فمشى إليه فضربه فشجه موضحة في رأسه وسالت الدماء فقال
نوح عليه السلام: رب قد ترى ما يفعل بي عبادك فإن يك لك في عبادك حاجة فاهدهم، وإن يكن غير ذلك فصبرني إلى أن تحكم وأنت خير الحاكمين، فأوحى الله تعالى إليه وآيسه من إيمان قومه وأخبره أنه لم يبق في أصلاب الرجال ولا في أرحام النساء مؤمن، وقال سبحانه: ( يا نوح إنه لن يؤمن ) إلخ، والمراد بمن آمن قيل: من استمر على الإيمان وللدوام حكم الحدوث ولذا لو حلف لا يلبس هذا الثوب وهو لابسه فلم ينزعه في الحال حنث، وقيل: المراد إلا من قد استعد للإيمان وتوقع منه ولا يراد ظاهره وإلا كان المعنى إلا من آمن فإنه يؤمن، وأورد عليه أنه مع بعده
[ ص: 49 ] يقتضي أن من القوم من آمن بعد ذلك وهو ينافي تقنيطه من إيمانهم، وقد يقال: المراد ما هو الظاهر والاستثناء على حد الاستثناء في قوله تعالى:
وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف على ما قاله غير واحد، فيفيد الكلام الإقناط على أتم وجه وأبلغه أي لن يحدث من قومك إيمانا ويحصله بعد إلا من قد أحدثه وحصله قبل، وذلك مما لا يمكن لما فيه من تحصيل الحاصل وإحداث المحدث، فإحداث الإيمان وتحصيله بعد مما لا يكون أصلا، وفي الحواشي الشهابية لو قيل: إن الاستثناء منقطع وأن المعنى لا يؤمن أحد بعد ذلك غير هؤلاء لكان معنى بليغا فتدبر. وقرأ
أبو البرهم: (وأوحى) مبنيا للفاعل وأنه بكسر الهمزة على إضمار القول على مذهب البصريين وعلى إجراء (أوحى) مجرى قال على مذهب الكوفيين، واستدل بالآية من أجاز التكليف بما لا يطاق.
فلا تبتئس بما كانوا يفعلون أي لا تلتزم البؤس ولا تحزن بما كانوا يتعاطونه من التكذيب والاستهزاء والإيذاء في هذه المدة الطويلة فقد حان وقت الانتقام منهم