ولما جاء أمرنا أي نزل عذابنا على أن الأمر واحد الأمور، قيل: أو المأمور به، وفي التعبير عنه بذلك مضافا إلى ضمير جل جلاله، وعن نزوله بالمجيء ما لا يخفى من التفخيم والتهويل.
وجوز أن يكون واحد الأوامر، أي: وورد أمرنا بالعذاب، والكلام على الحقيقة إن أريد أمر الملائكة عليهم السلام، ويجوز أن يكون ذلك مجازا عن الوقوع على سبيل التمثيل
نجينا هودا والذين آمنوا معه قيل: كانوا أربعة آلاف، وقيل: ثلاثة آلاف، ولعل الانتصار للأنبياء عليهم السلام لم يكن مأذونا به للمؤمنين إذ ذاك فلا ينافي ما تقدم نقله من أنه عليه السلام كان وحده، ولذا عد مواجهته للجم الغفير معجزة له صلى الله عليه وسلم لكن لا بد لهذا من دليل كدعوى انفراده عنهم حين المقاولة؛ وفي الحواشي الشهابية أنه لا مانع من ذلك باعتبار حالين وزمانين فتأمل، والظاهر أن ما كان من المقاولة إنما هو في ابتداء الدعوة ومجيء الأمر كان بعد بكثير وإيمان من آمن كان في البين فترتفع المنافاة (برحمة) عظيمة كائنة (منا) وهي الإيمان الذي أنعمنا به عليهم.
وروي هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري -ولشم بعضهم منه رائحة الاعتزال- لم يلتفت إليه، ولا بأس بأن تحمل الرحمة عن الفضل فيفيد أن ذلك بمحض فضل الله تعالى إذ له سبحانه تعذيب المطيع كما أن له جل وعلا إثابة العاصي، والجار والمجرور الأول متعلق –بنجينا- وهو الظاهر الذي عليه كثير من المفسرين.
وجوز
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان كونه متعلقا –بآمنوا- أي إن إيمانهم بالله تعالى ورسوله عليه السلام برحمة من الله تعالى إذ وفقهم إليه، ولعل ترتيب الإنجاء على النزول باعتبار ما تضمنه من تعذيب الكفار فيكون قد صرح
[ ص: 86 ] بالإنجاء اهتماما، ورتب باعتبار الآخر إشارة إلى أنه مقصود منه، ويجوز أن تكون -لما لمجرد الحين-
ونجيناهم من عذاب غليظ تكرير لأجل بيان ما نجاهم عنه وهي الريح التي كانت تحمل الظعينة وتهدم المساكن وتدخل في أنوف أعداء الله تعالى وتخرج من أدبارهم فتقطعهم إربا إربا، أو المراد بهذا الإنجاء من عذاب الآخرة وبالأول الإنجاء من عذاب الدنيا، ورجح الأول بأنه أوفق لمقتضى المقام، وحاصله أن الأول إخبار بأن الإيمان الذي وفقوا له صار سبب إنجائهم. والثاني بأن ذلك الإنجاء كان من عذاب أي عذاب دلالة على كمال الامتنان وتحريضا على الإيمان وليس من أسلوب -أعجبني زيد وكرمه- في شيء كما ظنه العلامة
الطيبي.
وقد أورد على الثاني أن إنجاءهم من عذاب الآخرة ليس في وقت نزول العذاب في الدنيا ولا مسببا عنه إلا أن يجاب بأنه عطف على القيد والمقيد كما قيل في قوله سبحانه:
لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون قيل: ولا يخفى ما فيه من التكلف من غير داع لأن الموافق للتعبير بالماضي المفيد لتحققه حتى كأنه وقع أن يجعل باعتبار ذلك واقعا في وقت النزول تجوزا، أو المعنى حكمنا بذلك وتبين ما يكون لهم لأن الدنيا أنموذج الآخرة، وأيا ما كان فالمراد بغلظ العذاب تضاعفه، وقد يقال على الاحتمال الأول في وصف العذاب الذي كان بالريح: بالغلظ الذي هو ضد الرقة التي هي صفة الريح ما لا يخفى من اللطف، وفيه أيضا مناسبة لحالهم فإنهم كانوا غلاظا شدادا