وامرأته قائمة وهي قائمة، ففيه الإضمار من غير تقدم ذكر، وكأن ذلك إن صح للتعويل على انفهام المرجع من سياق الكلام، والجملة إما في موضع الحال من ضمير (قالوا) وإما مستأنفة للإخبار
فضحكت من الضحك المعروف، والمراد به حقيقته عند الكثير، وكان ذلك عند بعضهم سرورا بزوال الخوف عن
إبراهيم عليه السلام، والنساء لا يملكن أنفسهن كالرجال إذا غلب عليهن الفرح، وقيل: كان سرورا بهلاك أهل الفساد، وقيل: بمجموع الأمرين، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري: إن ضحكها كان سرورا بصدق ظنها لأنها كانت تقول
لإبراهيم: اضمم إليك
لوطا فإني أرى العذاب سينزل بقومه، وكان
لوط ابن أخيه، وقيل: ابن خالته وقيل: كان أخا
سارة وقد مر آنفا أنها بنت عم
إبراهيم عليه السلام، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنها ضحكت من شدة خوف
إبراهيم وهو في أهله وغلمانه، والذين جاءوه ثلاثة وهي تعهده يغلب الأربعين، وقيل: المائة، وقال قتادة: كان ذلك من غفلة قوم
لوط وقرب العذاب منهم، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي: ضحكت من إمساك الأضياف عن الأكل وقالت: عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا وهم لا يأكلون طعامنا، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه: وروي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنها ضحكت من البشارة
بإسحاق، وفي الكلام على ذلك تقديم وتأخير، وقيل: (ضحكت) من المعجز الذي تقدم نقله عن
جبريل عليه السلام
[ ص: 98 ] ولعل الأظهر ما ذكرناه أولا عن البعض، وذهب بعضهم إلى أن المراد بالضحك التبسم ويستعمل في السرور المجرد نحو مسفرة ضاحكة، ومنه قولهم: روضة تضحك، وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ. وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن (ضحكت) بمعنى حاضت، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة، وقولهم: ضحكت الأرنب بهذا المعنى أيضا، وأنكر
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة، وأبو عبيد، nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء مجيء ضحك بمعنى حاض، وأثبت ذلك جمهور اللغويين، وأنشدوا له قوله:
(وضحك) الأرانب فوق الصفا كمثل دم الجوف يوم اللقا
وقوله:
وعهدي بسلمى (ضاحكا) في لبابة ولم يعد حقا ثديها أن تحلما
وقوله:
إني لآتي العرس عند طهورها وأهجرها يوما إذا تك (ضاحكا)
والمثبت مقدم على النافي، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، نعم قال
ابن المنير: إنه يبعد الحمل على ذلك هنا قولها:
أألد وأنا عجوز إلخ.. فإنه لو كان الحيض قبل البشارة لما تعجبت إذ لا عجب في حمل من تحيض، والحيض في العادة معيار على إمكان الحمل، ودفع بأن الحيض في غير أوانه مؤكد للتعجب أيضا، ولأنه يجوز أن تظن أن دمها ليس بحيض بل استحاضة فلذا تعجبت، وقرأ
محمد بن زياد الأعرابي من قراء
مكة (فضحكت) بفتح الحاء، وزعم
المهدوي أنه غير معروف وأن (ضحك) بالكسر هو المعروف، ومصدره ضحكا وضحكا بسكون الحاء وفتح الضاد وكسرها، وضحكا ضحكا، بكسر الحاء مع فتح الضاد وكسرها، والظاهر أن هذه مصادر ضحك بأي معنى كان، ويفهم من مجمع البيان أن مصدر ضحك بمعنى حاضت إنما هو ضحكا بفتح الضاد وسكون الحاء، ولم نر هذا التخصيص في غيره، وعن بعضهم أن فتح الحاء في الماضي مخصوص بضحك بمعنى حاض، وعليه فالقراءة المذكورة تؤيد تفسير ضحكت على قراءة الجمهور بحاضت.
فبشرناها بإسحاق قيل: أي عقبنا سرورها بسرور أتم منه على ألسنة رسلنا
ومن وراء إسحاق يعقوب بالنصب، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر، nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة، وحفص، nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما على أنه منصوب بتقدير فعل يفسره ما يدل عليه الكلام أي ووهبنا لها من وراء
إسحاق يعقوب، ورجع ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي، واعترضه البعض بأنه حينئذ لا يكون ما ذكر داخلا تحت البشارة، ودفع بأن ذكر هذه الهبة قبل وجود الموهوب بشارة معنى، وقيل: هو معطوف على محل ( بإسحاق ) لأنه في محل نصب، واعترض أنه إنما يتأتى العطف على المحل إذا جاز ظهور المحل في فصيح الكلام كقوله: ولسنا بالجبال ولا الحديدا.
وبشر لا تسقط باؤه من المبشر به في الفصيح، وزعم بعضهم أن العطف على ( بإسحاق ) على توهم نصبه لأنه في معنى وهبنا لها إسحاق فيكون كقوله:
(مشائيم) ليسوا مصلحين عشيرة ولا ناعب إلا ببين غرابها
إلا أنه توهم في هذا وجود الباء في المعطوف عليه على عكس ما في الآية الكريمة، ويقال لمثل هذا: عطف التوهم، ولا يخفى ما في هذه التسمية هنا من البشاعة على أن هذا العطف شاذ لا ينبغي التخريج عليه مع وجود غيره، وبهذا اعترض على
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري من حمل كلامه حيث قال: وقرئ بالنصب كأنه قيل: وهبنا لها
إسحاق ومن وراء
إسحاق يعقوب على طريقة قوله: مشائيم. البيت عليه لما أنه الظاهر منه، وقال في الكشف أراد أنه عطف معنوي ومثله شائع مستفيض في العطف والإضمار على شريطة التفسير وغيرهما، وإنما شبهه بقوله:
[ ص: 99 ] ولا ناعب.
تنبيها على أن ذلك مع بعده لما كان واقعا فهذا أجدر، والغرض من التشبيه أن غير الموجود في اللفظ جعل بمنزلته وأعمل، ولا يخفى أنه خلاف المتبادر من عبارته، وقيل إنه معطوف على لفظ
(إسحاق) وفتحته للجر لأنه غير مصروف للعلمية والعجمة، وعلى هذا دخوله في البشارة ظاهر إلا أنه قيل عليه: إنه يلزمه الفصل بين نائب الجار ومجروره وهو أبعد منه بين الجار ومجروره، وفي البحر أن من ذهب إلى أنه معطوف على ما ذكر فقوله ضعيف لأنه لا يجوز الفصل بالظرف أو المجرور بين حرف العطف ومعطوفه المجرور، فلا يجوز مررت بزيد اليوم وأمس عمرو، فإن جاء ففي شعر، فإن كان المعطوف منصوبا أو مرفوعا ففي جواز ذلك خلاف نحو قام زيد واليوم عمرو، وضربت زيدا واليوم عمرا، وقرأ الحرميان، والنحويان،
nindex.php?page=showalam&ids=11948وأبو بكر و(يعقوب) بالرفع على الابتداء، (ومن وراء) الخبر كأنه قيل -ومن وراء
إسحاق يعقوب كائن أو موجود أو مولود- قال
النحاس: والجملة حال داخلة في البشارة أي فبشرناها
بإسحاق متصلا به
يعقوب.
وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=12095أبو علي أن يرتفع بالجار والمجرور كما أجازه
nindex.php?page=showalam&ids=13673الأخفش وقيل: إنه جائز على مذهب الجمهور أيضا لاعتماده على ذي الحال، وتعقب بأنه وهم لأن الجار والمجرور إذا كان حالا لا يجوز اقترانه بالواو فليتدبر.
وجوز
النحاس أيضا أن يكون فاعلا بإضمار فعل تقديره ويحدث من وراء
إسحاق يعقوب.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية: وعلى هذا لا يدخل في البشارة، وقد مر ما يعلم منه الجواب، و (وراء) هنا بمعنى خلف وبذلك فسرها
nindex.php?page=showalam&ids=14343الراغب وغيره هنا، وهو رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وفي رواية أخرى عنه تفسيرها بولد الولد وهو أحد معانيها كما في الصحاح، والقاموس، وبذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة، واستشكل بأن
(يعقوب) ولد
إسحاق عليه السلام لصلبه لا ولد ولده، ولدفع ذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري فيما نقل عنه: إن وجه هذا التفسير أن يراد
بيعقوب أولاده كما يقال: هاشم ويراد أولاده فكأنه قيل: من ولد ولد
إسحاق أولاد
يعقوب، ويتضمن ذلك البشارة
بيعقوب من طريق الأولى، وقيل: وجه ذلك أنه سمي ولد
إسحاق (وراء) بالنسبة إليها أي وراؤها من
إسحاق كأنهم بشروها بأن تعيش حتى ترى ولد ولدها، أو بأن يولد لولدها ولد، قيل: وهذا أقرب، والمنقول عن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أظهر، والمعول عليه تفسيره بمعنى خلف إذ في كلا الوجهين تكلف لا يخفى، والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة كما في قوله تعالى:
نبشرك بغلام اسمه يحيى وهو الأظهر.
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي: ويحتمل أنها بشرت بولد وولد ولد من غير تسمية ثم سميا بعد الولادة، وتوجيه البشارة إليها مع أن الأصل في ذلك
إبراهيم عليه السلام، وقد وجهت إليه في آيتي الحجر والذاريات للإيذان بأن ما بشر به يكون منهما ولكونها عقيمة حريصة على الولد، وكانت قد تمنته حينما ولد
لهاجر إسماعيل عليه السلام