لا يجرمنكم أي لا يكسبنكم شقاقي أي معاداتي وأصلها أن أحد المتعاديين يكون في عدوة وشق والآخر في آخر، وروي هذا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن: ضراري، وعن بعض: فراقي، والكل متقارب وهو فاعل ( يجرمنكم ) والكاف مفعوله الأول، وقوله سبحانه:
أن يصيبكم مفعوله الثاني، وقد جاء تعدي جرم إلى مفعولين كما جاء تعديها لواحد، وهي مثل كسب في ذلك ومن الأول قوله:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
وإضافة شقاق إلى ياء المتكلم من إضافة المصدر إلى مفعوله أي لا يكسبنكم شقاقكم إياي أن يصيبكم
[ ص: 122 ] مثل ما أصاب قوم
نوح من الغرق أو قوم
هود من الريح أو قوم
صالح من الرجفة والصيحة، ونهي الشقاق مجاز أو كناية عن نهيهم، وهو أبلغ من توجيه النهي إليهم لأنه إذا نهي وهو لا يعقل علم نهي المشاقين بالطريق الأولى، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340ابن وثاب nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش (يجرمنكم) بضم الياء، وحكي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير وهو حينئذ من أجرمته ذنبا إذا جعلته جارما له أي كاسبا، والهمزة للنقل من جرم المتعدي إلى مفعول واحد، ونظيره في النقل كذلك كسب المال فإنه يقال فيه أكسبه المال، والقراءتان سواء في المعنى إلا أن المشهورة جارية على ما هو الأكثر استعمالا في كلام الفصحاء من العرب الموثوق بعربيتهم، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد والجحدري وابن أبي إسحاق (مثل) بالفتح وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع وخرجه جمع على أن (مثل) فاعل أيضا إلا أنه بني على الفتح لإضافته إلى غير متمكن، وقد جوز فيه وكذا في غير مع ما وأن المخففة والمشددة ذلك كالظروف المضافة للمبني، وعلى هذا جاء قوله:
ولم يمنع الشرب منها غير أن نطقت حمامة في غصون ذات أوقال
وبعض على أنه نعت لمصدر محذوف والفتحة إعراب أي إصابة مثل إصابة قوم
نوح وفاعل يصيبكم ضمير مستتر يعود على العذاب المفهوم من السياق، وفيه تكلف
وما قوم لوط منكم ببعيد زمانا كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أو مكانا كما روي عن غيره ومراده عليه السلام أنكم إن لم تعتبروا بمن قبل لقدم عهد أو بعد مكان فاعتبروا بهؤلاء فإنهم بمرأى ومسمع منكم وكأنه إنما غير أسلوب التحذير بهم واكتفى بذكر قربهم إيذانا بأن ذلك مغن عن ذكر ما أصابهم لشهرة كونه منظوما في سمط ما ذكر من دواعي الأمم المرقومة، وجوز أن يراد بالبعد البعد المعنوي أي ليسوا ببعيد منكم في الكفر والمساوي فاحذروا أن يحل بكم ما أحل بهم من العذاب، وقد أخذ هذا المعنى بعض المتأخرين فقال: فإن تكونوا قوم
لوط بعينهم فما قوم
لوط منكم ببعيد، وإفرد بعيد وتذكيره مع كون المخبر عنه وهو قوم اسم جمع ومؤنثا لفظا على ما نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري واستدل له بتصغيره على قويمة وذلك يقتضي أن يقال: ببعيدة موافقة للفظ وببعداء موافقة للمعنى؛ لأن المراد وما إهلاكهم أو وما هم بشيء بعيد، أو وما هم في زمان بعيد أو مكان بعيد، وجوز أن يكون ذلك لأنه يستوي في بعيد المذكر والمؤنث لكونه على زنة المصادر كالنهيق والصهيل.
وفي الكشف عن الجوهري أن القوم يذكر ويؤنث لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كانت للآدميين تذكر وتؤنث مثل رهط ونفر وقوم، وإذا صغرت لم تدخل فيه الهاء، وقلت: قويم ورهيط ونفير، ويدخل الهاء فيما يكون لغير الآدميين مثل الإبل والغنم لأن التأنيث لازم وبينه وبين ما نقل عن الزمخشري بون بعيد، وعليه فلا حاجة إلى التأويل