واستبقا الباب متصل بقوله سبحانه:
ولقد همت به وهم بها إلخ، وقوله تعالى: (كذلك) إلخ.. اعتراض جيء به بين المعطوفين تقريرا لنزاهته عليه السلام، والمعنى لقد همت به وأبى هو واستبقا أي تسابقا إلى الباب على معنى قصد كل من
يوسف عليه السلام وامرأة العزيز سبق الآخر إليه فهو ليخرج وهي لتمنعه من الخروج؛ وقيل: المراد من السبق في جانبها الإسراع إثره إلا أنه عبر بذلك للمبالغة، ووحد الباب هنا مع جمعه أولا لأن المراد الباب البراني الذي هو المخلص، واستشكل بأنه كيف يستبقان إليه ودونه أبواب جوانية بناء على ما ذكروا من أن الأبواب كانت سبعة.
وأجيب بأنه روي عن
كعب أن أقفال هاتيك الأبواب كانت تتناثر إذا قرب إليها
يوسف عليه السلام وتتفتح له؛ ويحتمل أنه لم تكن تلك الأبواب المغلقة على الترتيب بابا فبابا بل كانت في جهات مختلفة كلها منافذ للمكان الذي كانا فيه، فاستبقا إلى باب يخرج منه، ونصب الباب على الاتساع لأن أصل استبق أن يتعدى بإلى لكن جاء كذلك على حد
وإذا كالوهم)، واختار موسى قومه سبعين رجلا)، وقيل: إنه ضمن الاستباق معنى الابتداء فعدي تعديته
وقدت قميصه من دبر يحتمل أن يكون معطوفا على (استبقا)، ويحتمل أن يكون في موضع الحال كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان، أي وقد قدت، والقد القطع والشق وأكثر استعماله فيما كان طولا وهو
[ ص: 218 ] المراد هنا بناء على ما قيل: إنها جذبته من وراء فانخرق القميص إلى أسفله، ويستعمل القط فيما كان عرضا، وعلى هذا جاء ما قيل في وصف
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه: إنه كان إذا اعتلى قد وإذا اعترض قط، وقيل: القد هنا مطلق الشق، ويؤيده ما نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية أنه قرأت فرقة –وقط- وقد وجد ذلك في مصحف
المفضل بن حرب.
وعن
يعقوب تخصيص القد بما كان في الجلد والثوب الصحيحين، والقميص معروف، وجمعه أقمصة وقمص وقمصان، وإسناد القد بأي معنى كان إليها خاصة مع أن لقوة
يوسف عليه السلام أيضا دخلا فيه إما لأنها الجزء الأخير للعلة التامة، وإما للإيذان بمبالغتها في منعه عن الخروج وبذل مجهودها في ذلك لفوت المحبوب أو لخوف الافتضاح
وألفيا أي وجدا، وبذلك قرأ عبد الله
سيدها أي زوجها وهو فيعل من ساد يسود، وشاع إطلاقه على المالك وعلى الرئيس، وكانت المرأة إذ ذاك على ما قيل: تقول لزوجها سيدي، ولذا لم يقل سيدهما، وفي البحر إنما لم يضف إليهما لأنه لم يكن مالكا
ليوسف حقيقة لحريته
لدى الباب أي عند الباب البراني، قيل: وجداه يريد أن يدخل مع ابن عم لها
قالت استئناف مبني على سؤال سائل يقول: فماذا كان حين ألفيا السيد عند الباب؟ فقيل: قالت:
ما جزاء من أراد بأهلك سوءا من الزنا ونحوه.
إلا أن يسجن أو عذاب أليم الظاهر أن (ما) نافية، و (جزاء) مبتدأ، و (من) موصولة أو موصوفة مضاف إليه، والمصدر المؤول خبر، و (أو) للتنويع خبر المبتدأ وما بعد معطوف على ذلك المصدر، أي ليس جزاؤه إلا السجن أو العذاب الأليم، والمراد به على ما قيل: الضرب بالسوط، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه القيد، وجوز أن تكون (ما) استفهامية –فجزاء- مبتدأ أو خبر أي أي شيء جزاؤه غير ذلك أو ذلك، ولقد أتت في تلك الحالة التي يدهش فيها الفطن اللوذعي حيث شاهدها زوجها على تلك الهيئة بحيلة جمعت فيها غرضيها وهما تبرئة ساحتها مما يلوح من ظاهر الحال، واستنزال
يوسف عليه السلام عن رأيه في استعصائه عليها وعدم مواتاته لها على مرادها بإلقاء الرعب في قلبه من مكرها طمعا في مواقعته لها مكرها عند يأسها عن ذلك مختارا كما قالت:
ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين ثم إنها جعلت صدور الإرادة المذكورة عن
يوسف عليه السلام أمرا محققا مفروغا عنه غنيا عن الإخبار بوقوعه، وإن ما هي عليه من الأفاعيل لأجل تحقيق جزائها، ولم تصرح بالاسم بل أتت بلفظ عام تهويلا للأمر ومبالغة في التخويف كأن ذلك قانون مطرد في حق كل أحد كائنا من كان، وذكرت نفسها بعنوان أهلية العزيز إعظاما للخطب وإغراء له على تحقيق ما يتوخاه بحكم الغضب والحمية كذا قرره غير واحد.
وذكر الإمام في تفسيره ما فيه نوع مخالفة لذلك حيث قال: إن في الآية لطائف: أحدها أن حبها الشديد
ليوسف عليه السلام حملها على رعاية دقيقتين في هذا الموضع وذلك لأنها بدأت بذكر السجن وأخرت ذكر العذاب لأن المحب لا يسعى في إيلام المحبوب، وأيضا إنها لم تذكر أن
يوسف عليه السلام يجب أن يقابل بأحد هذين الأمرين بل ذكرت ذلك ذكرا كليا صونا للمحبوب عن الذكر بالشر والألم، وأيضا قالت:
إلا أن يسجن والمراد منه أن يسجن يوما، أو أقل على سبيل التخفيف، فأما الحبس الدائم فإنه لا يعبر عنه بهذه العبارة بل يقال: يجب أن يجعل من المسجونين، ألا ترى أن
فرعون كيف قال حين هدد
موسى عليه السلام:
[ ص: 219 ] لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين .
وثانيها أنها لما شاهدت من
يوسف عليه السلام أنه استعصم منها مع أنه كان في عنفوان الشباب وكمال القوة ونهاية الشهوة عظم اعتقادها في طهارته ونزاهته فاستحيت أن تقول: إن
يوسف قصدني بسوء وما وجدت من نفسها أن ترميه بهذا الكذب على سبيل التصريح بل اكتفت بهذا التعريض، وليت الحشوية كانوا يكتفون بمثل ما اكتفت به، ولكنهم لم يفعلوه ووصفوه بعد قريب من أربعة آلاف سنة بما وصفوه من القبيح وحاشاه.
وثالثها أن
يوسف عليه السلام أراد أن يضربها ويدفعها عن نفسه وكان ذلك بالنسبة إليها جاريا مجرى السوء فقولها
ما جزاء إلخ، جار مجرى التعريض فلعلها بقلبها كانت تريد إقدامه على دفعها ومنعها، وفي ظاهر الأمر كانت توهم أنه قصدني بما لا ينبغي انتهى المراد منه، وفيه من الأنظار ما فيه.
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15948زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما أو عذابا أليما بالنصب على المصدرية كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي: أي أو يعذب عذابا أليما إلا أنه حذف ذلك لظهوره، وهذه القراءة أوفق بقوله تعالى:
أن يسجن ولم يظهر لي سر اختلاف التعبير على القراءة المشهورة ما يعول عليه، والله تعالى أعلم بأسرار كتابه فتدبر