حتى إذا استيئس الرسل غاية لمحذوف دل عليه السياق والتقدير عند بعضهم لا يغرنهم تماديهم فيما هم فيه من الدعة والرخاء فإن من قبلهم قد أمهلوا حتى يئس الرسل من النصر عليهم في الدنيا أو من إيمانهم لانهماكهم في الكفر وتماديهم في الطغيان من غير وازع وقال
أبو الفرج بن الجوزي : التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا فدعوا قومهم فكذبوهم وصبروا وطال دعاؤهم وتكذيب قومهم
حتى إذا استيئس .. إلخ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14979القرطبي : التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ثم لم نعاقب أممهم حتى إذا استيأس .. إلخ وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : التقدير وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا فتراخى النصر حتى إذا .. إلخ ولعل الأول أولى وإن كان فيه كثرة حذف والاستفعال بمعنى المجرد كما أشرنا
[ ص: 69 ] إليه وقد مر الكلام في ذلك ( وظنوا أنهم قد كذبوا ) بالتخفيف والبناء للمفعول وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه
nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=13726والأعمش والكوفيين واختلف في توجيه الآية على ذلك فقيل : الضمائر الثلاثة للرسل والظن بمعنى التوهم لا بمعناه الأصلي ولا بمعناه المجازي أعني اليقين وفاعل ( كذبوا ) المقدر إما أنفسهم أو رجاؤهم فإنه يوصف بالصدق والكذب أي كذبتهم أنفسهم حين حدثتهم بأنهم ينصرون أو كذبهم رجاؤهم النصر والمعنى أن مدة التكذيب والعداوة من الكفار وانتظار النصر من الله تعالى قد تطاولت وتمادت حتى استشعروا القنوط وتوهموا أن لا نصر لهم في الدنيا
جاءهم نصرنا فجأة وقيل : الضمائر كلها للرسل والظن بمعناه وفاعل ( كذبوا ) المقدر من أخبرهم عن الله تعالى وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وغيره عن
عبد الله بن أبي مليكة قال : إن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قرأ قد ( كذبوا ) مخففة ثم قال : يقول أخلفوا وكانوا بشرا وتلا
حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله قال
ابن أبي مليكة : فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إلى أنهم يئسوا أو ضعفوا فظنوا أنهم قد أخلفوا وروى ذلك عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الصحيح واستشكل هذا بأن فيه ما لا يليق نسبته إلى الأنبياء عليهم السلام بل إلى صالحي الأمة ولذا نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها ذلك فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهما من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة أنه سأل
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها عن هذه الآية قال : قلت أكذبوا أم كذبوا فقالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة بل كذبوا يعني فقلت : لعله وظنوا أنهم قد كذبوا مخففة قالت : معاذ الله تعالى لم تكن الرسل لتظن ذلك بربها قلت : فما هذه الآية قالت : هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاء نصر الله تعالى عند ذلك .
وأجاب بعضهم بأنه يمكن أن يكون أراد رضي الله تعالى عنه بالظن ما يخطر بالبال ويهجس بالقلب من شبه الوسوسة وحديث النفس على ما عليه البشرية وذهب
المجد بن تيمية إلى رجوع الضمائر جميعها أيضا إلى الرسل مائلا إلى ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مدعيا أنه الظاهر وأن الآية على حد قوله تعالى :
إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته فإن الإلقاء في قلبه وفي لسانه وفي عمله من باب واحد والله تعالى ينسخ ما يلقي الشيطان ثم قال : والظن لا يراد به في الكتاب والسنة الاعتقاد الراجح كما هو في اصطلاح طائفة من أهل العلم ويسمون الاعتقاد المرجوح وهما فقد قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=688615إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث وقال سبحانه :
إن الظن لا يغني من الحق شيئا فالاعتقاد المرجوح هو ظن وهو وهم وهذا قد يكون ذنبا يضعف الإيمان ولا يزيله وقد يكون حديث النفس المعفو عنه كما قال عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=654864إن الله تعالى تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل وقد يكون من باب الوسوسة التي هي صريح الإيمان كما ثبت في الصحيح
أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم قالوا : يا رسول الله إن أحدنا ليجد في نفسه ما أن يحرق حتى يصير حمما أو يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتكلم به قال صلى الله عليه وسلم : أوقد وجدتموه قالوا : نعم قال : ذلك صريح الإيمان وفي حديث آخر
nindex.php?page=hadith&LINKID=676371إن أحدنا ليجد ما يتعاظم أن يتكلم به قال : الحمد لله [ ص: 70 ] الذي رد كيده إلى الوسوسة ونظير هذا ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=653121نحن أحق بالشك من إبراهيم عليه السلام إذ قال له ربه : أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي فسمى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم التفاوت بين الإيمان والاطمئنان شكا بإحياء الموتى وعلى هذا يقال : الوعد بالنصر في الدنيا لشخص قد يكون الشخص مؤمنا بإنجازه ولكن قد يضطرب قلبه فيه فلا يطمئن فيكون فوات الاطمئنان ظنا أنه كذب فالشك وظن أنه كذب من باب واحد وهذه الأمور لا تقدح في الإيمان الواجب وإن كان فيها ما هو ذنب فالأنبياء عليهم السلام معصومون من الإقرار على ذلك كما في أفعالهم على ما عرف من أصول السنة والحديث وفي قص مثل ذلك عبرة للمؤمنين عليهم السلام فإنهم لا بد أن يبتلوا بما هو أكثر من ذلك فلا ييأسوا إذا ابتلوا ويعلمون أنه قد ابتلي من هو خير منهم وكانت العاقبة إلى خير فيتيقن المرتاب ويتوب المذنب ويقوى إيمان المؤمن وبذلك يصح الاتساء بالأنبياء ومن هنا قال سبحانه :
لقد كان في قصصهم عبرة ولو كان المتبوع معصوما مطلقا لا يتأتى الاتساء فإنه يقول : التابع أنا لست من جنسه فإنه لا يذكر بذنب فإذا أذنب استيأس من المتابعة والاقتداء لما أتى به من الذنب الذي يفسد المتابعة على القول بالعصمة بخلاف ما إذا علم أنه قد وقع شيء وجبر بالتوبة فإنه يصح حينئذ أمر المتابعة كما قيل : أول من أذنب وأجرم ثم تاب وندم أبو البشر
آدم .
ومن يشابه أبه فما ظلم
ولا يلزم الاقتداء بهم فيما نهوا عنه ووقع منهم ثم تابوا عنه لتحقق الأمر بالاقتداء بهم فيما أقروا عليه ولم ينهوا عنه ووقع منهم ولم يتوبوا منه وما ذكر ليس بدون المنسوخ من أفعالهم وإذا كان ما أمروا به وأبيح لهم ثم نسخ تنقطع فيه المتابعة فما لم يؤمروا به ووقع منهم وتابوا عنه أحرى وأولى بانقطاع المتابعة فيه . اهـ .
ولا يخفى أن ما ذكره مستلزم لجواز وقوع الكبائر من الأنبياء عليهم السلام وحاشاهم من غير أن يقروا على ذلك والقول به جهل عظيم ولا يقدم عليه ذو قلب سليم على أن في كلامه بعد ما فيه وليته اكتفى بجعل الضمائر للرسل وتفسير الظن بالتوهم كما فعل غيره فإنه ما لا بأس به وكذا لا بأس في حمل كلام
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على أنه أراد بالظن فيه ما هو على طريق الوسوسة ومثالها من حديث النفس فإن ذلك غير الوسوسة المنزه عنها الأنبياء عليهم السلام أو على أنه أراد بذلك المبالغة في التراخي وطول المدة على طريق الاستعارة التمثيلية بأن شبه المبالغة في التراخي بظن الكذب باعتبار استلزم كل منهما لعدم ترتب المطلوب فاستعمل ما لأحدهما في الآخر وقيل : إن الضمائر الثلاثة للمرسل إليهم لأن ذكر الرسل متقاض ذاك ونظير ذلك قوله :
أمنك البرق أرقبه فهاجا وبت أخاله دهما خلاجا
فإن ضمير أخاله للرعد ولم يصرح به بل اكتفى بوميض البرق عنه وإن شئت قلت : إن ذكرهم قد جرى في قوله تعالى :
أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم فيكون الضمير للذين من قبلهم ممن كذب الرسل عليهم السلام والمعنى ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوه من النبوة وفيما وعدوا به من لم يؤمن من العقاب وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد nindex.php?page=showalam&ids=16000وسعيد بن منصور nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير وغيرهم من طرق عنه رضي الله تعالى عنه أنه كان يقرأ ( كذبوا ) مخففة ويقول : حتى إذا يئس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم وظن قومهم أن الرسل قد
[ ص: 71 ] كذبوهم فيما جاءوا به جاء الرسل نصرنا وروي ذلك أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ عن
ربيعة بن كلثوم قال : حدثني أبي أن
مسلم بن يسار سأل
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير فقال : يا
أبا عبد الله آية قد بلغت مني كل مبلغ
حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا فإن الموت أن تظن الرسل أنهم قد كذبوا مثقلة أو تظن أنهم قد كذبوا مخففة فقال
سعيد : حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يستجيبوا لهم وظن قومهم أن الرسل كذبتهم جاءهم نصرنا فقام
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم إليه فاعتنقه وقال : فرج الله تعالى عنك كما فرجت عني وروي أنه قال ذلك بمحضر من
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك فقال له : لو رحلت في هذه إلى
اليمن لكان قليلا وقيل : ضمير ( ظنوا ) للمرسل إليهم وضمير ( أنهم ) و ( كذبوا ) للرسل عليهم السلام أي وظنوا أن الرسل عليهم السلام أخلفوا فيما وعد لهم من النصر وخلط الأمر عليهم وقرأ غير واحد من السبعة
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=12004وأبو رجاء وابن أبي مليكة nindex.php?page=showalam&ids=13723والأعرج nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة في المشهور ( كذبوا ) بالتشديد والبناء للمفعول والضمائر على هذا للرسل عليهم السلام أي ظن الرسل أن أممهم كذبوهم فيما جاءوا به لطول البلاء عليهم فجاءهم نصر الله تعالى عند ذلك وهو تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها الذي رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عليه الرحمة والظن بمعناه أو بمعنى اليقين أو التوهم وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك أنهم قرؤوا ( كذبوا ) مخففا مبنيا للفاعل فضمير ( ظنوا ) للأمم وضمير
أنهم قد كذبوا للرسل أي ظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوهم به من النصر أو العقاب وجوز أن يكون ضمير
ظنوا للرسل وضمير
أنهم قد كذبوا للمرسل إليهم أي ظن الرسل عليهم السلام أن الأمم كذبتهم فيما وعدوهم به من أنهم يؤمنون والظن الظاهر كما قيل : إنه بمعنى اليقين وقرئ كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء : ( كذبوا ) بالتشديد والبناء للفاعل وأول ذلك بأن الرسل عليهم السلام ظنوا أن الأمم قد كذبوهم في وعدهم هذا والمشهور استشكال الآية من جهة أنها متضمنة ظاهرا على القراءة الأولى نسبة ما لا يليق من الظن إلى الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام واستشكل بعضهم نسبة الاستيئاس إليهم عليهم السلام أيضا بناء على أن الظاهر أنهم استيأسوا مما وعدوا به وأخبروا بكونه فإن ذلك أيضا مما لا يليق نسبته إليهم وأجيب بأنه لا يراد ذلك وإنما يراد أنهم استيأسوا من إيمان قومهم .
واعترض بأنه يبعده عطف
وظنوا أنهم قد كذبوا الظاهر في أنهم ظنوا كونهم مكذوبين فيما وعدوا به عليه .
وذكر
المجد في هذا المقام غير ما ذكره أولا وهو أن الاستيئاس وظن أنهم مكذوبين كليهما متعلقان بما ضم للموعود به اجتهادا وذلك أن الخبر عن استيئاسهم مطلق وليس في الآية ما يدل على تقييده بما وعدوا به وأخبروا بكونه وإذا كان كذلك فمن المعلوم أن الله تعالى إذا وعد الرسل بنصر مطلق كما هو غالب إخباراته لم يعين زمانه ولا مكانه ولا صفته فكثيرا ما يعتقد الناس في الموعود به صفات أخرى لم يدل عليها خطاب الحق تعالى بل اعتقدوها بأسباب أخرى كما اعتقد طائفة من الصحابة رضي الله عنهم إخبار النبي صلى الله عليه وسلم لهم أنهم يدخلون
المسجد الحرام ويطوفون به أن ذلك يكون عام
الحديبية لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج معتمرا ورجا أن يدخل
مكة ذلك العام ويطوف ويسعى فلما استيأسوا من ذلك ذلك العام لما صدهم المشركون حتى قاضاهم عليه الصلاة والسلام على الصلح المشهور بقي في قلب بعضهم شيء قال
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه مع أنه كان
[ ص: 72 ] من المحدثين : ألم تخبرنا يا رسول الله أنا ندخل
البيت ونطوف قال : بلى أفأخبرتك إنك تدخله هذا العام قال : لا قال : إنك داخله ومطوف به وكذلك قال له
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر رضي الله تعالى عنه فبين له أن الوعد منه عليه الصلاة والسلام كان مطلقا غير مقيد بوقت وكونه صلى الله عليه وسلم سعى في ذلك العام إلى
مكة وقصدها لا يوجب تخصيصا لوعده تعالى بالدخول في تلك السنة ولعله عليه الصلاة والسلام إنما سعى بناء على ظن أن يكون الأمر كذلك فلم يكن ولا محذور في ذلك فليس من شرط النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون كل ما قصده بل من تمام نعمة الله تعالى عليه أن يأخذ به عما يقصده إلى أمر آخر هو أنفع مما قصده إن كان كما كان في عام
الحديبية ولا يضر أيضا خروج الأمر على خلاف ما يظنه عليه الصلاة والسلام فقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه
nindex.php?page=hadith&LINKID=661364أنه عليه الصلاة والسلام قال في تأبير النخل : إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله تعالى شيئا فخذوا به فإني لن أكذب على الله تعالى ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث
ذي اليدين :
nindex.php?page=hadith&LINKID=696953ما قصرت الصلاة ولا نسيت ثم تبين النسيان وفي قصة
الوليد بن عقبة النازل فيها
إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا الآية وقصة
بني أبيرق النازل فيها
إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما ما فيه كفاية في العلم بأنه صلى الله عليه وسلم قد يظن الشيء فيبينه الله تعالى على وجه آخر وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو هو هكذا فما ظنك بغيره من الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام ومما يزيد هذا قوة أن جمهور المحدثين والفقهاء على أنه يجوز للأنبياء عليهم السلام الاجتهاد في الأحكام الشرعية ويجوز عليهم الخطأ في ذلك لكن لا يقرون عليه فإنه لا شك أن هذا دون الخطأ في ظن ما ليس من الأحكام الشرعية في شيء وإذا تحقق ذلك فلا يبعد أن يقال : إن أولئك عليهم السلام أخبروا بعذاب قومهم ولم يعين لهم وقت له فاجتهدوا وعينوا لذلك وقتا حسبما ظهر لهم كما عين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عام
الحديبية لدخول
مكة فلما طالت المدة استيأسوا وظنوا كذب أنفسهم وغلط اجتهادهم وليس في ذلك ظن بكذب وعده تعالى ولا مستلزما له أصلا فلا محذور وأنت تعلم أن الأوفق بتعظيم الرسل عليهم السلام والأبعد عن الحوم حول حمى ما لا يليق بهم القول بنسبة الظن إلى غيرهم صلى الله تعالى عليهم وسلم والله تعالى أعلم والظاهر أن ضمير
جاءهم على سائر القراءات والوجوه للرسل وقيل : إنه راجع إليهم وإلى المؤمنين جاء الرسل ومن آمن بهم نصرنا
فنجي من نشاء أنجاه وهم الرسل والمؤمنون بهم وإنما لم يعينوا للإشارة إلى أنهم الذين يستأهلون أن يشاء نجاتهم ولا يشاركهم فيه غيرهم .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر nindex.php?page=showalam&ids=17379ويعقوب ( فنجي ) بنون واحدة وجيم مشددة وياء مفتوحة على أنه ماض مبني للمفعول و ( من ) نائب الفاعل وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن والجحدري nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة nindex.php?page=showalam&ids=13617وابن هرمز كذلك إلا أنهم سكنوا الياء وخرجت على أن الفعل ماض أيضا كما في القراءة التي قبلها إلا أنه سكنت الياء على لغة من يستثقل الحركة على الياء مطلقا ومنه قراءة من قرأ ( ما تطعمون أهليكم ) بسكون الياء وقيل : الأصل ننجي بنونين فأدغم النون في الجيم ورده
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان بأنها لا تدغم فيها وتعقب بأن بعضهم قد ذهب إلى جواز إدغامها ورويت هذه القراءة عن
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع وقرأت فرقة كما قرأ باقي السبعة بنونين مضارع أنجي إلا أنهم فتحوا الياء ورواها
هبيرة عن
حفص عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية أن ذلك غلط من
هبيرة إذ لا وجه للفتح وفيه أن الوجه ظاهر فقد ذكروا أن الشرط والجزاء يجوز أن يأتي بعدهما المضارع منصوبا بإضمار أن بعد الفاء كقراءة
[ ص: 73 ] من قرأ ( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر ) بنصب يغفر ولا فرق في ذلك بين أن تكون أداة الشرط جازمة أو غير جازمة .
وقرأ
نصر بن عاصم وأبو حيوة وابن السميقع وعيسى البصرة وابن محيصن وكذا
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد في رواية ( فنجا ) ماضيا مخففا و ( من ) فاعله وروي عن
ابن محيصن أنه قرأ كذلك إلا أنه شدد الجيم والفاعل حينئذ ضمير النصر و ( من ) مفعوله وقد رجحت قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ومن معه بأن المصاحف اتفقت على رسمها بنون واحدة وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17140مكي : أكثر المصاحف عليه فأشعر بوقوع خلاف في الرسم وحكاية الاتفاق نقلت عن
الجعبري وابن الجزري وغيرهما وعن
الجعبري أن قراءة من قرأ بنونين توافق الرسم تقديرا لأن النون الثانية ساكنة مخفاة عند الجيم كما هي مخفاة عند الصاد والظاء في ( لننصر ) والإخفاء لكونه سترا يشبه الإدغام لكونه تغييبا فكما يحذف عند الإدغام يحذف عند الإخفاء بل هو عنده أولى لمكان الاتصال وعن
أبي حيوة أنه قرأ ( فنجي من يشاء ) بياء الغيبة أي من يشاء الله تعالى نجاته
ولا يرد بأسنا عذابنا
عن القوم المجرمين . (110) . إذا نزل بهم وفيه بيان لمن تعلق بهم المشيئة لأنه يعلم من المقابلة أنهم من ليسوا بمجرمين وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ( بأسه ) بضمير الغائب أي بأس الله تعالى ولا يخفى ما في الجملة من التهديد والوعيد لمعاصري النبي صلى الله عليه