ولو أن قرآنا أي قرآنا ما والمراد به المعنى اللغوي وهو اسم أن والخبر قوله تعالى شأنه :
سيرت به الجبال وجواب لو محذوف لانسياق الكلام إليه كما في قوله : .
فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
والمقصود إما
بيان عظم شأن القرآن العظيم وفساد رأي الكفرة حيث لم يقدروا قدره ولم يعدوه من قبيل الآيات واقترحوا غيره وإما بيان غلوهم في المكابرة والعناد وتماديهم في الضلالة والفساد والمعنى على الأول لو أن كتابا سيرت بإنزاله أو بتلاوته الجبال وزعزعت عن مقارها كما فعل ذلك
بالطور لموسى عليه السلام
أو قطعت به الأرض أي شققت وجعلت أنهارا وعيونا كما فعل بالحجر حين ضربه
موسى عليه السلام بعصاه أو جعلت قطعا متصدعة
أو كلم به الموتى أي كلم أحد به الموتى بأن أحياهم بقراءته فتكلم معهم بعد وذلك كما وقع الإحياء
لعيسى عليه السلام لكان ذلك هذا القرآن لكونه الغاية القصوى في الانطواء على عجائب آثار قدرة الله تعالى وهيبته عز وجل كقوله تعالى :
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله قاله بعض المحققين وقيل : في التعليل لكونه الغاية في الإعجاز والنهاية في التذكير والإنذار .
وتعقب بأنه لا مدخل للإعجاز في هذه الآثار والتذكير والإنذار مختصان بالعقلاء مع أنه لا علاقة لذلك بتكليم الموتى واعتبار فيض العقول إليها مخل بالمبالغة المقصودة وبحث فيه بأن ما ذكر أولا من مزيد الانطواء على عجائب آثار قدرة الله تعالى أمر يرجع إلى الهيبة وهي أيضا مما لا يترتب عليها تكليم الموتى بل لعلها مانعة من
[ ص: 155 ] ذلك لأنها حيث اقتضت تزعزع الجبال وتقطع الأرض فلأن تقتضي موت الأحياء دون إحياء الأموات الذي يكون التكليم بعده من باب أولى وفيه نظر والباء في المواضع الثلاثة للسببية وجوز في الثالث منها أن تكون صلة ما عندها وتقديم المجرور فيها على المرفوع لقصد الإبهام ثم التفسير لزيادة التقرير على ما مر غير مرة .
و ( أو ) في الموضعين لمنع الخلو لا الجمع والتذكير في
كلم لتغليب المذكر من الموتى على غيره واقتراحهم وإن كان متعلقا بمجرد ظهور مثل هذه الأفاعيل العجيبة على يده صلى الله عليه وسلم لا بظهورها بواسطة القرآن لكن ذلك حيث كان مبنيا على عدم اشتماله في زعمهم على الخوارق نيط ظهورها به مبالغة في شأن اشتماله عليها وأنه حقيق بأن يكون مصدرا لكل خارق وإبانة لركاكة رأيهم في شأنه الرفيع كأن قيل : لو أن ظهور أمثال ما اقترحوه من مقتضيات الحكمة لكان مظهرها هذا القرآن الذي لم يعدوه آية وفيه من تفخيم شأنه العزيز ووصفهم بركاكة العقل لا يخفى كذا حققه بعض الأجلة وهو من الحسن بمكان وعلى الثاني لو أن قرآنا فعلت به هذه الأفاعيل العجيبة لما آمنوا به كقوله تعالى :
ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى الآية والكلام على ما استظهره
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشهاب على التقديرين حقيقة على سبيل الفرض كقوله : .
ولو طار ذو حافر قبلها لطارت ولكنه لم يطر
وجعله على الأول تمثيلا كالآية المذكورة هناك على ما قال لا وجه له وتمثيل
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري بها لبيان أن القرآن يقتضي غاية الخشية وصنيع كثير من المحققين ظاهر في ترجيح التقدير الأول وفي الكشف لو تأملت في هذه السورة الكريمة حق التأمل وجدت بناء الكلام فيها على حقية الكتاب المجيد واشتماله على ما فيه صلاح الدارين وإن السعيد كل السعيد من تمسك بحبله والشقي كل الشقي من أعرض عنه إلى هواه حيث قال تعالى أولا :
والذي أنزل إليك من ربك الحق ثم تعجب من إنكارهم ذلك بقوله سبحانه :
ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية ثم قال تعالى :
له دعوة الحق فأثبت حقيته بالحجة ثم قال جل وعلا :
أنزل من السماء ماء وهو مثل للحق الذي هو القرآن ومن انتفع به على ما فسره المحققون ثم صرح تعالى بنتيجة ذلك كله بالبرهان النير في قوله سبحانه :
أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ثم أعاد جل شأنه قوله
ويقول الذين كفروا دلالة على إنكارهم أول ما أتاهم وبعد رصانة علمهم بحقيته فهم متمادون في الإنكار ثم كر إلى بيان الحقية فيما نحن فيه وبالغ المبالغة التي ليس بعدها سواء جعل داخلا في حيز القول أو جعل ابتداء كلام منه تعالى تذييلا وهو الأبلغ ليكون مقصودا بذاته في الإفادة المذكورة مؤكدا لمجموع ما دل عليه قوله تعالى :
كذلك أرسلناك من تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام وما أنزل عليه وشدة إنكارهم وتصميمهم علاوة في أن لم يبق إلا التوكل والصبر على مجاهدتكم إذ لا وراء هذا القرآن حتى أجيء به لتسلموا ثم فخمه ونعى عليهم مكابرتهم بقوله تعالى
وكذلك أنزلناه حكما عربيا وأيد حقية الكتاب فيمن أنزل عليه في خاتمة السورة بقوله جل وعلا :
كفى بالله إلى قوله سبحانه :
علم الكتاب تنبيها على أنه مع ظهور أمره في إفادة الحقائق العرفانية والخلائق الإيمانية لا يعلم حقيقة ما فيه إلا من تفرد به وبإنزاله تبارك وتعالى . اهـ . وفي سبب النزول وستعلمه قريبا إن شاء الله تعالى ما يؤيد الثاني والظاهر على حقه وأشرنا إليه أولا أن الآية على الأول متعلقة بقوله تعالى :
ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية وهي على الثاني متعلقة بقوله سبحانه
وهم يكفرون بالرحمن بيانا لتصميمهم في كفرهم وإنكارهم الآيات ومن أتى بها لا بذلك لبعد المرمى
[ ص: 156 ] من غير ضرورة وقوله تعالى :
بل لله الأمر جميعا أي له الأمر الذي يدور عليه فلك الأكوان وجودا وعدما يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد حسبما تقتضيه الحكم البالغة قيل : إضراب عما تقتضيه الشرطية من معنى النفي لا بحسب منطوقه بل باعتبار موجبه ومؤداه أي لو أن قرآنا فعل به ما ذكر لكان ذلك هذا القرآن ولكن لم يفعل سبحانه بل فعل ما عليه الشأن الآن لأن الأمر كله له وحده فالإضراب ليس بمتوجه إلى كون الأمر لله تعالى بل إلى ما لا يؤدي إليه ذلك من كون الشأن على ما كان لما تقتضيه الحكمة وقيل : إن حاصل الإضراب لا يكون تسيير الجبال مع ما ذكر بقرآن بل يكون بغيره مما أراده الله تعالى فإن الأمر له سبحانه جميعا وزعم بعضهم أن الأحسن العطف على مقدر أي ليس لك من الأمر شيء بل الأمر لله جميعا ومعنى قوله سبحانه :
أفلم ييأس الذين آمنوا أفلم يعلموا وهي كما قال
القاسم بن معن لغة
هوازن وقال
ابن الكلبي : هي لغة حي من
النخع وأنشدوا على ذلك قول
سحيم بن وثيل الرباحي : .
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
وقول
رباح بن عدي : .
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
فإنكار
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء ذلك وزعمه أنه لم يسمع أحد من
العرب يقول يئست بمعنى علمت ليس في محله ومن حفظ حجة على من لم يحفظ والظاهر أن استعمال اليأس في ذلك حقيقة وقيل : مجاز لأنه متضمن للعلم فإن الآيس عن الشيء عالم بأنه لا يكون واعترض بأن اليأس حينئذ يقتضي حصول العلم بالعدم وهو مستعمل في العلم بالوجود وأجيب بأنه لما تضمن العلم بالعدم تضمن مطلق العلم فاستعمل فيه ويشهد لإرادة العلم هنا قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=8علي كرم الله تعالى وجهه
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهم
nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة وابن أبي مليكة والجحدري وأبي يزيد المدني وجماعة ( أفلم يتبين ) من تبينت كذا إذا علمته وهي قراءة مسندة إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليست مخالفة للسواد إذ كتبوا ييئس بغير صورة الهمزة وأما قول من قال : إنما كتبه الكاتب وهو ناعس فسوى أسنان السين فهو قول
زنديق ابن ملحد على ما في البحر وعليه فرواية ذلك كما في الدر المنثور عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما غير صحيحة وزعم بعضهم أنها قراءة تفسير وليس بذاك والفاء للعطف على مقدر أي أغفلوا عن كون الأمر جميعه لله تعالى فلم يعلموا
أن لو يشاء الله بتخفيف ( أن ) وجعل اسمها ضمير الشأن والجملة الامتناعية خبرها وأن وما بعدها ساد مسد مفعولي العلم
لهدى الناس جميعا أي بإظهار أمثال تلك الآثار العظيمة والإنكار على هذا متوجه إلى المعطوفين جميعا أو أعلموا كون الأمر جميعا لله تعالى فلم يعلموا ما يوجبه ذلك العلم مما ذكر وحينئذ هو متوجه إلى ترتب المعطوف على المعطوف عليه أي تخلف العلم الثاني عن العلم الأول وأيا ما كان فالإنكار إنكار الوقوع لا الواقع ومناط الإنكار ليس عدم علمهم بمضمون الشرطية فقط بل عدم علمهم بعدم تحقق مقدمها كأنه قيل :
ألم يعلموا أن الله تعالى لو شاء هدايتهم لهداهم وأنه سبحانه لم يشأ ذلك وذلك لما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الكفار
[ ص: 157 ] لما سألوا الآيات ود المؤمنون أن يظهرها الله تعالى ليجتمعوا على الإيمان هذا على التقدير الأول وأما على التقدير الثاني فالإضراب متوجه إلى ما سلف من اقتراحهم مع كونهم في العناد على ما شرح والمعنى فليس لهم ذلك بل لله تعالى الأمر إن شاء أتى بما اقترحوا وإن شاء سبحانه لم يأت به حسبما تستدعيه حكمته الباهرة من غير أن يكون لأحد عليه جل جلاله حكم أو اقتراح واليأس بمعنى القنوط كما هو الشائع في معناه أي ألم يعلم الذين آمنوا حالهم هذه فلم يقنطوا من إيمانهم حتى ودوا ظهور مقترحاتهم فالإنكار متوجه إلى المعطوفين أو أعلموا ذلك فلم يقنطوا من إيمانهم فهو متوجه إلى وقوع المعطوف بعد المعطوف عليه أي إلى تخلف القنوط عن العلم المذكور والإنكار على هذين التقديرين إنكار الواقع لا الوقوع فإن عدم قنوطهم من ذلك مما لا مرد له وقوله تعالى :
أن لو يشاء الله إلى آخره مفعول به لعلما محذوف وقع مفعولا له أي أفلم ييأسوا من إيمان الكفار علما منهم بأنه لو يشاء الله لهدى الناس جميعا وأنه لم يشأ ذلك وقد يجعل العلم في موضع الحال أي عالمين بذلك ولم يعتبر التضمين لبعده ويجوز أن يكون متعلقا بآمنوا بتقدير الباء أي أفلم يقنط الذين آمنوا وصدقوا بأن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا على معنى أفلم ييأس من إيمان هؤلاء الكفرة المؤمنون بمضمون هذه الشرطية وبعدم تحققها المنفهم من مكابرتهم حسبما يحكيه كلمة ( لو ) فالوصف المذكور من دواعي إنكار يأسهم وبما أشرنا إليه ينحل ما قيل : من أن تعلق الإيمان بمضمون الشرطية وتخصيصه بالذكر يقتضي أن لذلك دخلا في اليأس من الإيمان مع أن الأمر بالعكس لأن قدرة الله تعالى على هداية جميع الناس يقتضي رجاء إيمانهم لا اليأس منه وذلك لاعتبار العلم بعدم تحقق المضمون أيضا .
وقال بعضهم في الجواب عن ذلك : إن وجه تخصيص الإيمان بذلك أن إيمان هؤلاء الكفرة المصممين كأنه محال متعلق بما لا يكون لتوقفه على مشيئة الله تعالى هداية جميع الناس وذلك ما لا يكون بالاتفاق وهو في معنى ما أشير إليه وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11992أبو حيان احتمالا آخر في الآية وهو أن الكلام قد تم عند قوله سبحانه :
أفلم ييأس الذين آمنوا وهو تقرير أي قد يئس المؤمنون من إيمان هؤلاء المعاندين و
أن لو يشاء .. إلخ جواب قسم محذوف أي أقسم لو يشاء الله لهدى الناس جميعا ويدل على إضمار القسم وجود أن مع لو كقوله : .
أما والله أن لو كنت حرا وما بالحر أنت ولا العتيق
وقوله : .
فأقسم أن لو التقينا وأنتم لكان لنا يوم من الشر مظلم
وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أن أن تأتي بعد القسم وجعلها ابن عصفور رابطة للقسم بالجملة المقسم عليها . انتهى . وفيه من التكلف ما لا يخفى ومن الناس من جعل الإضراب مطلقا عما تضمنه ( لو ) من معنى النفي على معنى بل الله تعالى قادر على الإتيان بما اقترحوا إلا أن أرادته لم تتعلق بذلك لعلمه سبحانه بأنه لا تلين له شكيمتهم ولا يخفى أنه ظاهر على التقدير الثاني وأما على التقدير الأول فقد قيل : إن إرادة
تعظيم شأن القرآن لا تنافي الرد على المقترحين وأيد جانب الرد بما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر وغيرهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=104894قالت قريش لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إن كنت نبيا كما تزعم فباعد جبلي مكة أخشبيها هذين مسيرة أربعة أيام أو خمسة فإنها ضيقة حتى نزرع فيها ونرعى وابعث لنا آباءنا من الموتى حتى يكلمونا ويخبرونا أنك نبي أو احملنا إلى الشام أو إلى اليمن أو إلى الحيرة حتى نذهب ونجيء في ليلة كما زعمت أنك فعلته فنزلت هذه الآية .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير nindex.php?page=showalam&ids=11868وأبو الشيخ عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنهم قالوا : سير بالقرآن الجبال قطع بالقرآن الأرض أخرج
[ ص: 158 ] به موتانا فنزلت وعلى هذا لا حاجة إلى الاعتذار في إسناد الأفاعيل المذكورة إلى القرآن كما احتيج إليه فيما تقدم وعلى خبر
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي يراد من تقطيع الأرض قطعها بالسير ويشهد للتفسير بما قدمنا أولا ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12181أبو نعيم في الدلائل وغيره من حديث
الزبير بن العوام أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=939503لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين صاح رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أبي قبيس يا آل عبد مناف إني نذير فجاءته عليه الصلاة والسلام قريش فحذرهم وأنذرهم فقالوا تزعم أنك نبي يوحى إليك وإن سليمان سخر له الريح والجبال وإن موسى سخر له البحر وإن عيسى كان يحيي الموتى فادع الله تعالى أن يسير عنا هذه الجبال ويفجر لنا الأرض أنهارا فنتخذ محارث فنزرع ونأكل وإلا فادع الله تعالى أن يحيي لنا موتانا فنكلمهم ويكلمونا وإلا فادع الله تعالى أن يجعل هذه الصخرة التي تحتك ذهبا فننحت منها وتغنينا عن رحلة الشتاء والصيف فإنك تزعم أنك كهيئتهم ، الخبر . وفيه : فنزلت وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون إلى تمام ثلاث آيات ونزلت ولو أن قرآنا الآية هذا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء أن جواب ( لو ) مقدم وهو قوله تعالى :
وهم يكفرون بالرحمن وما بينهما اعتراض وهو مبني كما قيل على جواز تقديم جواب الشرط عليه ومن النحويين من يراه ولا يخفى أن في اللفظ نبوة عن ذلك لكون تلك الجملة اسمية مقترنة بالواو ولذا أشار
nindex.php?page=showalam&ids=14529السمين إلى أن مراده أن تلك الجملة دليل الجواب والتقدير ولو أن قرآنا فعل به كذا وكذا لكفروا بالرحمن وأنت تعلم أنه لا فرق بين هذا وتقدير لما آمنوا في المعنى وجوز جعل لو وصلية ولا جواب لها والجملة حالية أو معطوفة على مقدر .
ولا يزال الذين كفروا من أهل
مكة على ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل تصيبهم بما صنعوا أي بسبب ما صنعوه من الكفر والتمادي فيه وإبهامه إما لقصد تهويله أو استهجانه وهو تصريح بما أشعر به بناء الحكم على الموصول من علية الصلة له مع ما في صيغة الصنع من الإيذان برسوخهم في ذلك
قارعة من القرع وأصله ضرب شيء بشيء بقوة ومنه قوله : .
ولما قرعنا النبع بالنبع بعضه ببعض أبت عيدانه أن تكسرا
والمراد بها الرزية التي تقرع قلب صاحبها وهي هنا ما كان يصيبهم من أنواع البلايا والمصائب من القتل والأسر والنهب والسلب وتقديم المجرور على الفاعل لما مر غير مرة من إرادة التفسير إثر الإبهام لزيادة التقرير والإحكام مع ما فيه من بيان أن مدار الإصابة من جهتهم أثر ذي أثير
أو تحل تلك القارعة
قريبا مكانا قريبا
من دارهم فيفزعون منها ويتطاير إليهم شررها شبه القارعة بالعدو المتوجه إليهم فأسند إليها الإصابة تارة والحلول أخرى ففيه استعارة بالكناية وتخييل وترشيح
حتى يأتي وعد الله أي موتهم أو القيامة فإن كلا منهما وعد محتوم لا مرد له وفيه دلالة على أن ما يصيبهم حينئذ من العذاب أشد ثم حقق ذلك بقوله سبحانه :
إن الله لا يخلف الميعاد . (31) . أي الوعد كالميلاد والميثاق بمعنى الولادة والتوثقة ولعل المراد به ما يندرج تحته الوعد الذي نسب إليه الإتيان لا هو فقط قال
القاضي : وهذه الآية تدل على بطلان من يجوز الخلف على الله تعالى في ميعاده وهي وإن كانت واردة في حق الكفار إلا أن العبرة بعموم
[ ص: 159 ] اللفظ لا بخصوص السبب وعمومه يتناول كل وعيد ورد في حق الفساق وأجاب الإمام بأن الخلف غير وتخصيص العمول غير ونحن لا نقول بالخلف ولكنا نخصص عمومات الوعيد بالآيات الدالة على العفو وأنت تعلم أن المشهور في الجواب أن آيات الوعد مطلقة وآيات الوعيد وإن وردت مطلقة لكنها مقيدة حذف قيدها لمزيد التخويف ومنشأ الأمرين عظم الرحمة ونهاية الكرم والفرق بين الوعد والوعيد أظهر من أن يذكر نعم قد يطلق الوعد على ما هو وعيد في نفس الأمر لنكتة وليتأمل فيما هنا على الوجه الذي تقرر .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد بالقارعة السرايا التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثها كانوا بين غارة واختطاف وتخويف بالهجوم عليهم في دارهم فالإصابة والحلول حينئذ من أحوالهم وجوز على هذا أن يكون قوله تعالى :
أو تحل خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرادا به حلول
الحديبية والمراد بوعد الله تعالى ما وعد به من فتح
مكة وعزا ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=17131مقاتل nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13366ابن عطية إلى أن المراد بالذين كفروا كفار
قريش والعرب وفسر القارعة بما ينزل بهم من سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن وابن السائب أن المراد بهم الكفار مطلقا قالا : وذلك الأمر مستمر فيهم إلى يوم القيامة ولا يتأتى على هذا أن يراد بالقارعة سرايا رسول الله عليه الصلاة والسلام فيراد بها حينئذ ما ذكر أولا وأنت تعلم أنه إذا أريد جنس الكفرة لا يلزم منه حلول ما تقدم بجميعهم وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير ( أو يحل ) بالياء على الغيبة وخرج ذلك على أن يكون الضمير عائدا على الرسول عليه الصلاة والسلام وقرآ أيضا ( من ديارهم ) على