ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء جملة ابتدائية واردة لتقرير ما قبلها أو معطوفة عليه، والجامع أن الأولى لبيان حال الكفار، وهذه تمثيل لها، وفيها مضاف محذوف إما من جانب المشبه أو المشبه به؛ أي: مثل داعي الذين كفروا كمثل الذي ينعق ،أو مثل الذين كفروا، كمثل بهائم الذي ينعق، ووضع المظهر - وهو الموصول - موضع المضمر، وهو البهائم؛ ليتمكن من إجراء الصفة التي هي وجه الشبه عليه، وحاصل المعنى على التقديرين أن الكفرة لانهماكهم في التقليد وإخلادهم إلى ما هم عليه من الضلالة لا يلقون أذهانهم إلى ما يتلى عليهم، ولا يتأملون فيما يقرر معهم، فهم في ذلك كالبهائم التي ينعق عليها وهي لا تسمع إلا جرس النغمة ودوي الصوت، وقيل : المراد تمثيلهم في اتباع آبائهم على ظاهر حالهم جاهلين بحقيقتها بالبهائم التي تسمع الصوت ولا تفهم ما تحته، أو تمثيلهم في دعائهم الأصنام بالناعق في نعقه، وهذا يغني عن الإضمار لكن لا يساعده قوله تعالى :
إلا دعاء ونداء ؛ لأن الأصنام بمعزل عن ذلك، فلا دخل للاستثناء في التشبيه إلا أن يجعل من التشبيه المركب ويلتزم كون مجموع
لا يسمع إلا دعاء ونداء كناية عن عدم الفهم والاستجابة، والنعيق التتابع في التصويت على البهائم للزجر، ويقال: نعق الغراب نعاقا ونعيقا إذا صوت من غير أن يمد عنقه ويحركها، ونغق بالغين بمعناه، فإذا مد عنقه وحركها ثم صاح قيل : نعب بالياء، والدعاء والنداء بمعنى، وقيل : إن الدعاء ما يسمع، والنداء قد يسمع وقد لا يسمع، وقيل: إن الدعاء للقريب والنداء للبعيد.
صم بكم عمي رفع على الذم؛ إذ فيه معنى الوصف مع مانع لفظي من الوصف به
فهم لا يعقلون 171 أي: لا يدركون شيئا لفقدان الحواس الثلاثة، وقد قيل: من فقد حسا فقد فقد علما، وليس المراد نفي العقل الغريزي باعتبار انتفاء ثمرته - كما قيل به - لعدم صحة ترتبه بالفاء على ما قبله.