هو الذي أنزل من السماء ماء شروع في نوع آخر من النعم الدالة على توحيده سبحانه، والمراد من الماء نوع منه وهو المطر، ومن السماء إما السحاب على سبيل الاستعارة أو المجاز المرسل، وإما الجرم المعروف والكلام على حذف مضاف أي من جانب السماء أو جهتها وحملها على ذلك بدون هذا يقتضيه ظاهر بعض الأخبار ولا أقول به، ( ومن ) على كل تقدير ابتدائية وهو متعلق بما عنده، وتأخير المفعول الصريح عنه ليظمأ الذهن إليه فيتمكن أتم تمكن عند وروده عليه، وقوله تعالى:
لكم يحتمل أن يكون خبرا مقدما، وقوله سبحانه:
منه في موضع الحال من قوله عز وجل:
شراب أي ما تشربون وهو مبتدأ مؤخر أو هو فاعل بالظرف الأول والجملة صفة لـ ماء ( ومن ) تبعيضية وليس في تقديمها إيهام حصر، ومن توهمه قال: لا بأس به لأن جميع المياه العذبة المشروبة بحسب الأصل منه كما ينبئ عنه قوله تعالى:
فسلكه ينابيع في الأرض [الزمر: 21] وقوله سبحانه:
فأسكناه في الأرض [المؤمنون: 18] ويحتمل أن يكون متعلقا بما عنده (ومنه شراب) مبتدأ وخبر أو شراب فاعل بالظرف والجملة ومن كما تقدم.
وتعقب بأن توسيط المنصوب بين المجرورين وتوسيط الثاني منهما بين الماء وصفته مما لا يليق بجزالة النظم الجليل وهو كذلك
ومنه شجر أي نبات مطلقا سواء كان له ساق أم لا كما نقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وهو حقيقة في الأول، ومن استعماله في الثاني قول الراجز:
نعلفها اللحم إذا عز الشجر والخيل في إطعامها اللحم ضرر
فإنه قيل: الشجر فيه بمعنى الكلأ لأنه الذي يعلف، وكذا فسره في النهاية بذلك في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «
لا تأكلوا ثمن الشجر فإنه سحت »
ولعل ذلك لأنه جاء في الحديث النهي عن منع فضل الماء كمنع فضل الكلأ وتشارك الناس في الماء والكلأ والنار، وأبقاه بعضهم على حقيقته ولم يجعله مجازا شاملا، ( ومن ) إما للتبعيض مجازا لأن الشجر لما كان حاصلا بسقيه جعل كأنه منه كقوله: أسنمة الإبال في ربابه. يعني به المطر الذي ينبت به ما تأكله الإبل فتسمن أسنمتها، وإما للابتداء أي وكائن منه شجر، والأول أولى بالنسبة إلى ما قبله.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء هي سببية أي وبسببه إنبات شجر، ودل على ذلك